الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل : ما هذا المقصوص من هذا النبأ؟ قال : إن فرعون ملك مصر الذي ادعى الإلهية علا أي : بادعائه الإلهية وتجبره على عباد الله وقهره لهم في الأرض [أي : لأنا جمعنا عليه الجنود فكانوا معه إلبا واحدا فأنفذنا بذلك كلمته] ، [ ص: 239 ] وهي [و] إن كان المراد بها أرض مصر ففي إطلاقها ما يدل على تعظيمها وأنها كجميع الأرض في اشتمالها على ما قل أن يشتمل عليه غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ولما كان التقدير بما دل عليه العاطف : فكفر تلك النعمة ، عطف عليه قوله : ] وجعل [بما جعلنا له من نفوذ الكلمة] أهلها أي : الأرض المرادة شيعا أي : فرقا يتبع كل فرقة شيئا وتنصره ، والكل تحت قهره وطوع أمره ، قد صاروا معه كالشياع ، وهو دق الحطب ، فرق بينهم لئلا يتمالؤوا عليه ، فلا يصل إلى ما يريده منهم ، [فافترقت كلمتهم فلم يحم بعضهم لبعض فتخاذلوا فسفل أمرهم ، فالآية من الاحتباك ، ذكر العلو أولا دليلا على السفول ثانيا ، والافتراق ثانيا دليلا على الاجتماع أولا] ، جعلهم كذلك حال كونه يستضعف أي : يطلب ويوجد أن يضعف ، أو هو استئناف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل الذين كانت حياة جميع أهل مصر على يدي واحد منهم ، وهو يوسف عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وفعل معهم من الخير ما لم يفعله والد مع ولده ، ومع ذلك كافؤوه في أولاده وإخوته بأن استعبدوهم ، ثم ما كفاهم ذلك حتى ساموهم على يدي هذا العنيد سوء العذاب فيا بأبي الغرباء بينهم قديما وحديثا ، ثم بين سبحانه الاستضعاف بقوله : [ ص: 240 ] يذبح أي : تذبيحا كثيرا أبناءهم أي : عند الولادة ، وكل بذلك أناسا ينظرون كلما ولدت امرأة ذكرا ذبحوه خوفا على ملكه زعم من مولود منهم ويستحيي نساءهم أي : يريد حياة الإناث فلا يذبحهن.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا أمرا متناهيا في الشناعة ، ليس مأمورا به من جهة شرع ما ، ولا له فائدة أصلا ، لأن القدر - على تقدير صدق من أخبره - لا يرده الحذر ، قال تعالى مبينا لقبحه ، شارحا لما أفهمه ذلك من حاله : إنه كان أي : كونا راسخا من المفسدين أي : الذين لهم عراقة في هذا الوصف ، فلا يدع أن يقع منه هذا الجزئي المندرج تحت ما هو قائم به من الأمر الكلي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية