الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في بعض خصائص النبي الكريم ، والرسول السيد ، والسند العظيم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه التي اختصه الحق بها جل شأنه على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأشار إلى أولها بقوله ) ) :


( ( وخصه بذاك كالمقام وبعثه لسائر الأنام ) )


( ( ومعجز القرآن والمعراج     حقا بلا مين ولا اعوجاج ) )



( ( وخصه ) ) أي : خص الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء ( ( بذاك ) ) أي : بكونه ختم به النبوة والرسالة ، فلا نبي بعده لقوله تعالى ( وخاتم النبيين ) وذلك يستلزم ختم المرسلين ، لأن ختم الأعم يستلزم ختم الأخص بلا عكس ، ومعنى ختم النبوة بنبوته عليه الصلاة والسلام أنه لا تبتدأ نبوة ولا تشرع شريعة بعد نبوته وشريعته ، وأما نزول عيسى عليه السلام وكونه متصفا بنبوته السابقة ، فلا ينافي ذلك على أن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يتعبد بشريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - دون شريعته المتقدمة لأنها منسوخة ، فلا يتعبد إلا بهذه الشريعة أصولا وفروعا فيكون خليفة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وحاكما من حكام ملته بين أمته بما علمه الله تعالى في السماء قبل نزوله ، وبنظره في كتاب الله الذي هو القرآن ، وسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يقصر عن رتبة الاجتهاد المؤدي إلى استنباط ما يحتاج إليه أيام مكثه في الأرض من الأحكام وكسر الصلبان وقتل الخنزير ، ووضع الجزية وعدم قبولها مما علم من شريعتنا ، لا يقال هذا نسخ لشرعة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنا نقول : بل هذا من شرعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مغيى إلى نزول عيسى عليه السلام ، فإذا نزل انتهى ذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى ابن مريم حكما عدلا " فنزوله غاية لإقرار الكفار ببذل تلك الأموال ، ثم لا يقبل [ ص: 278 ] إلا الإسلام فلا نسخ لها ، وقد قدمنا ذلك قريبا . ( والثانية ) : ما أشار إليها بقوله ( ( كـ ) ) ما خصه الله سبحانه وتعالى بـ ( ( المقام ) ) المحمود ، وهو الشفاعة العظمى كما تقدم الكلام على ذلك ، وروى النسائي بإسناد صحيح من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال : يجمع الناس في صعيد واحد ، فأول مدعو محمد ، فيقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، المهدي من هديت ، عبدك وابن عبديك ، وبك وإليك ، ولا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت - فهذا قوله : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وصححه الحاكم : قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ، ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الذي في صحيح البخاري ، ولفظه قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا ، كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع لنا ، يا فلان اشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا .

وأخرج البخاري أيضا عنه - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ، فيقول : لست بصاحب ذلك ، ثم بموسى ، فيقول كذلك ، ثم بمحمد فيشفع ، فيقضي الله بين الخلق ، فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة ، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا ، يحمده أهل الجمع كلهم " وذلك لأن ما رواه النسائي من حديث حذيفة - رضي الله عنه - كان مقدمة الشفاعة .

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال ، أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه لمقامه ذلك أهل الجمع ، ورجاله ثقات .

لكنه مرسل ، قال الحافظ ابن حجر في شرح تفسير سورة الإسراء من صحيح البخاري : قيل : المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنة ، وقيل إعطاؤه لواء الحمد ، وقيل : جلوسه على العرش . أخرجه عبد بن حميد وغيره عن مجاهد ، وقيل شفاعته رابع أربعة . انتهى .

وتقدم في الشفاعة ما فيه كفاية ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية