الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : فكان ما أردناه ، وطاح ما أراد غيرنا ، فأولدنا من بني إسرائيل الولد الذي كان يحذره فرعون على ملكه ، وكان يذبح أبناء بني إسرائيل لأجله ، وقضينا بأن يسمى موسى ، بسبب أنه يوجد بين ماء وشجر ، ونربيه في بيت الذي يحذره ويحتاط لأجله ، عطف على هذا المعلوم التقدير أول نعمة من بها على الذين استضعفوا فقال : وأوحينا أي : أوصلنا بعظمتنا بطريق خفي ، الله أعلم به هل هو ملك أو غيره ، إذ لا بدع في تكليم الملائكة الولي من غير نبوة إلى أم موسى أي : الذي أمضينا في قضائنا أنه يسمى بهذا الاسم ، وأن يكون هلاك فرعون [ ص: 243 ] وزوال ملكه على يده ، بعد أن ولدته وخافت أن يذبحه الذباحون أن أرضعيه ما كنت آمنة عليه ، وحقق لها طلبهم لذبحه بقوله : فإذا خفت عليه أي : منهم أن يصيح فيسمع فيذبح فألقيه أي : بعد أن تضعيه في شيء يحفظه من الماء في اليم [أي : النيل ، واتركي رضاعه] ، وعرفه وسماه يما - واليم : البحر - لعظمته على غيره من الأنهار بكبره وكونه من الجنة ، وما يحصل به من المنافع ، وعدل عن لفظ البحر إلى اليم لأن القصد فيه أظهر من السعة; قالالرازي في اللوامع : وهذا إشارة إلى الثقة بالله ، والثقة سواد عين التوكل ، ونقطة دائرة التفويض ، وسويداء قلب التسليم ، ولها درجات : الأولى درجة الإياس ، وهو إياس العبد من مقاواة الأحكام ، ليقعد عن منازعة الأقسام ، فيتخلص من صحة الإقدام; والثانية درجة الأمن ، وهو أمن العبد من فوت المقدور ، وانتقاص المسطور ، فيظفر بروح الرضى وإلا فبعين اليقين ، وإلا فبطلب الصبر; والثالثة معاينة أولية الحق [جل جلاله ، ] ليتخلص من محن المقصود ، وتكاليف الحمايات ، والتعريج على مدارج الوسائل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تخافي أي : لا يتجدد لك خوف أصلا من أن يغرق [أو يموت من ترك الرضاع وإن طال المدى] أو يوصل إلى أذاه ولا تحزني أي : ولا يوجد لك حزن لوقوع فراقه. [ ص: 244 ] ولما كان الخوف عما يلحق المتوقع ، والحزن عما يلحق الواقع ، علل نهيه عن الأمرين ، بقوله في جملة اسمية دالة على الثبات والدوام ، مؤكدة لاستبعاد مضمونها : إنا رادوه إليك فأزال مقتضى الخوف والحزن; ثم زادها بشرى لا تقوم لها بشرى بقوله : وجاعلوه من المرسلين أي : الذين هم خلاصة المخلوقين ، [والآية من الاحتباك ، ذكر الإرضاع أولا دليلا على تركه ثانيا ، والخوف ثانيا دليلا على الأمن أولا ، وسره أنه ذكر المحبوب لها تقوية لقلبها وتسكينا لرعبها].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية