nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=29011_30437ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير .
عدل عن جوابهم بالحرمان من الخروج إلى ذكر سبب وقوعهم في العذاب ، وإذ قد كانوا عالمين به قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11فاعترفنا بذنوبنا ، كانت إعادة التوقيف عليه
[ ص: 100 ] بعد سؤال الصفح عنه كناية عن استدامته وعدم استجابة سؤالهم الخروج منه على وجه يشعر بتحقيرهم .
وزيد ذلك تحقيقا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12فالحكم لله العلي الكبير .
فالإشارة ب ( ذلكم ) إلى ما هم فيه من العذاب الذي أنبأ به قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=10ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم وما عقب به من قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11فهل إلى خروج من سبيل .
والباء في ( بأنه ) للسببية ، أي بسبب كفركم إذا دعي الله وحده .
وضمير ( بأنه ) ضمير الشأن ، وهو مفسر بما بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا ، فالسبب هو مضمون القصة الذي حاصل سبكه : بكفركم بالوحدانية وإيمانكم بالشرك .
و ( إذا ) مستعملة هنا في الزمن الماضي لأن دعاء الله واقع في الحياة الدنيا وكذلك كفرهم بوحدانية الله ، فالدعاء الذي مضى مع كفرهم به كان سبب وقوعهم في العذاب .
ومجيء
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12وإن يشرك به تؤمنوا بصيغة المضارع في الفعلين مؤول بالماضي بقرينة ما قبله ، وإيثار صيغة المضارع في الفعلين لدلالتهما على تكرر ذلك منهم في الحياة الدنيا فإن لتكرره أثرا في مضاعفة العذاب لهم .
nindex.php?page=treesubj&link=19733والدعاء : النداء ، والتوجه بالخطاب . وكلا المعنيين يستعمل فيه الدعاء ويطلق الدعاء على العبادة ، كما سيأتي عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم في هذه السورة ، فالمعنى إذا نودي الله بمسمعكم نداء دالا على أنه إله واحد مثل آيات القرآن الدالة على نداء الله بالوحدانية ، فالدعاء هنا الإعلان والذكر ، ولذلك قوبل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا ، والدعاء بهذا المعنى أعم من الدعاء بمعنى سؤال الحاجات ولكنه يشمله ، أو إذا عبد الله وحده .
[ ص: 101 ] ومعنى كفرتم جددتم الكفر ، وذلك إما بصدور أقوال منهم ينكرون فيها انفراد الله بالإلهية ، وإما بملاحظة جديدة وتذكر آلهتهم . ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12وإن يشرك به تؤمنوا إن يصدر ما يدل على الإشراك بالله من أقوال زعمائهم ورفاقهم الدالة على تعدد الآلهة أو إذا أشرك به في العبادة تؤمنوا ، أي تجددوا الإيمان بتعدد الآلهة في قلوبكم أو تؤيدوا ذلك بأقوال التأييد والزيادة . ومتعلق ( كفرتم ) و ( تؤمنوا ) محذوفان لدلالة ما قبلهما . والتقدير : كفرتم بتوحيده وتؤمنوا بالشركاء .
وجيء في الشرط الأول ب ( إذا ) التي الغالب في شرطها تحقق وقوعه ، إشارة إلى أن
دعاء الله وحده أمر محقق بين المؤمنين لا تخلو عنه أيامهم ولا مجامعهم ، مع ما تفيد إذا من الرغبة في حصول مضمون شرطها .
وجيء في الشرط الثاني بحرف ( إن ) التي أصلها عدم الجزم بوقوع شرطها ، أو أن شرطها أمر مفروض ، مع أن الإشراك محقق تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك المفروض للتنبيه على أن دلائل بطلان الشرك واضحة بأدنى تأمل وتدبر ، فنزل إشراكهم المحقق منزلة المفروض ; لأن المقام مشتمل على ما يقلع مضمون الشرط من أصله فلا يصلح إلا لفرضه على نحو ما يفرض المعلوم موجودا أو المحال ممكنا .
والألف واللام في الحكم للجنس .
واللام في ( لله ) للملك أي جنس الحكم ملك لله ، وهذا يفيد قصر هذا الجنس على الكون لله كما تقدم في قوله ( الحمد لله ) في سورة الفاتحة وهو قصر حقيقي إذ
لا حكم يوم القيامة لغير الله تعالى .
وبهذه الآية تمسك
الحرورية يوم حروراء حين تداعى جيش
الكوفة وجيش
الشام إلى التحكيم ، فثارت
الحرورية على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وقالوا : لا حكم إلا لله ، جعلوا التعريف للجنس والصيغة للقصر وحدقوا إلى هذه الآية وغضوا عن آيات جمة ، فقال
علي لما سمعها : ( كلمة حق أريد بها باطل ) اضطرب الناس ولم يتم التحكيم .
[ ص: 102 ] وإيثار صفتي العلي الكبير بالذكر هنا لأن معناهما مناسب لحرمانهم من الخروج من النار ، أي لعدم نقض حكم الله عليهم بالخلود في النار ، لأن العلو في وصفه تعالى علو مجازي اعتباري بمعنى شرف القدر وكماله ، فهو العلي في مراتب الكمالات كلها بالذات ، ومن جملة ما يقتضيه ذلك تمام العلو وتمام العدل ، فلذلك لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة والعدل .
ووصف الكبير كذلك هو كبر مجازي ، وهو قوة صفات كماله ، فإن الكبير قوي وهو الغني المطلق ، وكلا الوصفين صيغ على مثال الصفة المشبهة للدلالة على الاتصاف الذاتي المكين ، وإنما يقبل حكم النقض لأحد أمرين : إما لعدم جريه على ما يقتضيه من سبب الحكم وهو النقض لأجل مخالفة الحق وهذا ينافيه وصف العلي ، وإما لأنه جور ومجاوز للحد ، وهذا ينافيه وصف الكبير لأنه يقتضي الغنى عن الجور .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=29011_30437ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ .
عَدَلَ عَنْ جَوَابِهِمْ بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى ذِكْرِ سَبَبِ وُقُوعِهِمْ فِي الْعَذَابِ ، وَإِذْ قَدْ كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ، كَانَتْ إِعَادَةُ التَّوْقِيفِ عَلَيْهِ
[ ص: 100 ] بَعْدَ سُؤَالِ الصَّفْحِ عَنْهُ كِنَايَةً عَنِ اسْتِدَامَتِهِ وَعَدَمِ اسْتِجَابَةِ سُؤَالِهِمُ الْخُرُوجَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَحْقِيرِهِمْ .
وَزِيدَ ذَلِكَ تَحْقِيقًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ .
فَالْإِشَارَةُ بِ ( ذَلِكُمْ ) إِلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أَنْبَأَ بِهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=10يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَمَا عَقَّبَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=11فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ .
وَالْبَاءُ فِي ( بِأَنَّهُ ) لِلسَّبَبِيَّةِ ، أَيْ بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ .
وَضَمِيرُ ( بِأَنَّهُ ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ، فَالسَّبَبُ هُوَ مَضْمُونُ الْقِصَّةِ الَّذِي حَاصِلُ سَبْكِهِ : بِكُفْرِكُمْ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَإِيمَانِكُمْ بِالشِّرْكِ .
وَ ( إِذَا ) مُسْتَعْمَلَةٌ هُنَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي لِأَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ وَاقِعٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ كُفْرُهُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ ، فَالدُّعَاءُ الَّذِي مَضَى مَعَ كُفْرِهِمْ بِهِ كَانَ سَبَبَ وُقُوعِهِمْ فِي الْعَذَابِ .
وَمَجِيءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي الْفِعْلَيْنِ مُؤَوَّلٌ بِالْمَاضِي بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ ، وَإِيثَارُ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ لِتَكَرُّرِهِ أَثَرًا فِي مُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ لَهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19733وَالدُّعَاءُ : النِّدَاءُ ، وَالتَّوَجُّهُ بِالْخِطَابِ . وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الدُّعَاءُ وَيُطْلَقُ الدُّعَاءُ عَلَى الْعِبَادَةِ ، كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَالْمَعْنَى إِذَا نُودِيَ اللَّهُ بِمَسْمَعِكُمْ نِدَاءً دَالًّا عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ مِثْلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الدَّالَّةِ عَلَى نِدَاءِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، فَالدُّعَاءُ هُنَا الْإِعْلَانُ وَالذِّكْرُ ، وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ، وَالدُّعَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ الدُّعَاءِ بِمَعْنَى سُؤَالِ الْحَاجَاتِ وَلَكِنَّهُ يَشْمَلُهُ ، أَوْ إِذَا عُبِدَ اللَّهُ وَحْدَهُ .
[ ص: 101 ] وَمَعْنَى كَفَرْتُمْ جَدَّدْتُمُ الْكُفْرَ ، وَذَلِكَ إِمَّا بِصُدُورِ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ فِيهَا انْفِرَادَ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ ، وَإِمَّا بِمُلَاحَظَةٍ جَدِيدَةٍ وَتَذَكُّرِ آلِهَتِهِمْ . وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا إِنْ يَصْدُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ مِنْ أَقْوَالِ زُعَمَائِهِمْ وَرِفَاقِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ أَوْ إِذَا أُشْرِكَ بِهِ فِي الْعِبَادَةِ تُؤْمِنُوا ، أَيْ تُجَدِّدُوا الْإِيمَانَ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ فِي قُلُوبِكُمْ أَوْ تُؤَيِّدُوا ذَلِكَ بِأَقْوَالِ التَّأْيِيدِ وَالزِّيَادَةِ . وَمُتَعَلِّقُ ( كَفَرْتُمْ ) وَ ( تُؤْمِنُوا ) مَحْذُوفَانِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُمَا . وَالتَّقْدِيرُ : كَفَرْتُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَتُؤْمِنُوا بِالشُّرَكَاءِ .
وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ بِ ( إِذَا ) الَّتِي الْغَالِبُ فِي شَرْطِهَا تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ
دُعَاءَ اللَّهِ وَحْدَهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَخْلُو عَنْهُ أَيَّامُهُمْ وَلَا مَجَامِعُهُمْ ، مَعَ مَا تُفِيدُ إِذَا مِنَ الرَّغْبَةِ فِي حُصُولِ مَضْمُونِ شَرْطِهَا .
وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي بِحَرْفِ ( إِنْ ) الَّتِي أَصْلُهَا عَدَمُ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ شَرْطِهَا ، أَوْ أَنَّ شَرْطَهَا أَمْرٌ مَفْرُوضٌ ، مَعَ أَنَّ الْإِشْرَاكَ مُحَقَّقٌ تَنْزِيلًا لِلْمُحَقَّقِ مُنْزِلَةَ الْمَشْكُوكِ الْمَفْرُوضِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ دَلَائِلَ بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَاضِحَةٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ ، فَنَزَّلَ إِشْرَاكَهُمُ الْمُحَقَّقَ مَنْزِلَةَ الْمَفْرُوضِ ; لِأَنَّ الْمَقَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يَقْلَعُ مَضْمُونَ الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصْلُحُ إِلَّا لِفَرْضِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يُفْرَضُ الْمَعْلُومُ مَوْجُودًا أَوِ الْمُحَالُ مُمْكِنًا .
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحُكْمِ لِلْجِنْسِ .
وَاللَّامُ فِي ( لِلَّهِ ) لِلْمِلْكِ أَيْ جِنْسُ الْحُكْمِ مِلْكٌ لِلَّهِ ، وَهَذَا يُفِيدُ قَصْرَ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْكَوْنِ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ إِذْ
لَا حُكْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَبِهَذِهِ الْآيَةِ تَمَسَّكَ
الْحَرُورِيَّةُ يَوْمَ حَرُورَاءَ حِينَ تَدَاعَى جَيْشُ
الْكُوفَةِ وَجَيْشُ
الشَّامِ إِلَى التَّحْكِيمِ ، فَثَارَتِ
الْحَرُورِيَّةُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا : لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، جَعَلُوا التَّعْرِيفَ لِلْجِنْسِ وَالصِّيغَةَ لِلْقَصْرِ وَحَدَّقُوا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَغَضُّوا عَنْ آيَاتٍ جَمَّةٍ ، فَقَالَ
عَلِيٌّ لَمَّا سَمِعَهَا : ( كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ) اضْطَرَبَ النَّاسُ وَلَمْ يَتِمَّ التَّحْكِيمُ .
[ ص: 102 ] وَإِيثَارُ صِفَتَيِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ بِالذِّكْرِ هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مُنَاسِبٌ لِحِرْمَانِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ ، أَيْ لِعَدَمِ نَقْضِ حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ ، لِأَنَّ الْعُلُوَّ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى عُلُوٌّ مَجَازِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ بِمَعْنَى شَرَفِ الْقَدْرِ وَكَمَالِهِ ، فَهُوَ الْعَلِيُّ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالَاتِ كُلِّهَا بِالذَّاتِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ تَمَامُ الْعُلُوِّ وَتَمَامُ الْعَدْلِ ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ .
وَوَصْفُ الْكَبِيرِ كَذَلِكَ هُوَ كِبَرٌ مَجَازِيٌّ ، وَهُوَ قُوَّةُ صِفَاتِ كَمَالِهِ ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ قَوِيٌّ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ ، وَكِلَا الْوَصْفَيْنِ صِيغَ عَلَى مِثَالِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاتِّصَافِ الذَّاتِيِّ الْمَكِينِ ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ حُكْمُ النَّقْضِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا لِعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ سَبَبِ الْحُكْمِ وَهُوَ النَّقْضُ لِأَجْلِ مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَهَذَا يُنَافِيهِ وَصْفُ الْعَلِيِّ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ جَوْرٌ وَمُجَاوِزٌ لِلْحَدِّ ، وَهَذَا يُنَافِيهِ وَصْفُ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْغِنَى عَنِ الْجَوْرِ .