الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الفرار من الزحف

                                                                                                          1716 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فحاص الناس حيصة فقدمنا المدينة فاختبينا بها وقلنا هلكنا ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون وأنا فئتكم قال أبو عيسى هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد ومعنى قوله فحاص الناس حيصة يعني أنهم فروا من القتال ومعنى قوله بل أنتم العكارون والعكار الذي يفر إلى إمامه لينصره ليس يريد الفرار من الزحف

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في الفرار من الزحف ) أي من الجهاد ولقاء العدو في الحرب ، والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون يقال زحف إليه زحفا إذا مشى نحوه كذا في النهاية .

                                                                                                          قوله : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ) قال في النهاية : السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه ؛ لأن لام السر راء وهذه ياء انتهى . ( فحاص الناس ) بإهمال الحاء والصاد أي جالوا جولة يطلبون الفرار قاله في النهاية . وفي المرقاة للقاري : أي مالوا عن العدو ملتجئين إلى المدينة ومنه قوله تعالى : ولا يجدون عنها محيصا أي مهربا ، ويؤيد هذا المعنى قول الجوهري : حاص عنه عدل وحاد ، [ ص: 309 ] وفي الفائق : حاص حيصة أي انحرف وانهزم انتهى . ( فاختبأنا بها ) أي في المدينة حياء ، وفي بعض النسخ فاختفينا بها ( وقلنا ) أي في أنفسنا أو لبعضنا ( هلكنا ) أي عصينا بالفرار ، ظنا منهم أن مطلق الفرار من الكبائر . وفي رواية أبي داود : فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص ، فلما برزنا قلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ فقلنا : ندخل المدينة فنثبت فيها لنذهب ولا يرانا أحد ، قال فدخلنا فقلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا ، قال فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ، فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون إلخ ( قال بل أنتم العكارون ) أي أنتم العائدون إلى القتال والعاطفون ، يقال عكرت على الشيء إذا عطفت عليه وانصرفت إليه بعد الذهاب عنه . قال الأصمعي : رأيت أعرابيا يفلي ثيابه فيقتل البراغيث ويترك القمل ، فقلت : لم تصنع هذا ؟ قال : أقتل الفرسان ثم أعكر على الرجالة ( وأنا فئتكم ) في النهاية : الفئة الجماعة من الناس في الأصل والطائفة التي تقوم وراء الجيش ، فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجئوا إليه انتهى . وفي الفائق : ذهب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " وأنا فئتكم " إلى قوله تعالى : أو متحيزا إلى فئة يمهد بذلك عذرهم في الفرار ، أي تحيزتم إلي فلا حرج عليكم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية