الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم .

قوله تعالى : ومنهم من يستمع إليك أي من هؤلاء الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، وزين لهم سوء عملهم قوم يستمعون إليك وهم المنافقون : عبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت وزيد بن الصليت والحارث بن عمرو ومالك بن دخشم ، كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه ، فإذا خرجوا سألوا عنه ، قاله الكلبي ومقاتل . وقيل : كانوا يحضرون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع المؤمنين ، فيستمعون منه ما يقول ، فيعيه المؤمن ولا يعيه الكافر .

حتى إذا خرجوا من عندك أي إذا فارقوا مجلسك . قالوا للذين أوتوا العلم قال عكرمة : هو عبد الله بن العباس . قال ابن عباس : كنت ممن يسأل ، أي : كنت من الذين أوتوا العلم . وفي رواية عن ابن عباس : أنه يريد عبد الله بن مسعود . وكذا قال عبد الله بن بريدة : هو عبد الله بن مسعود . وقال القاسم بن عبد الرحمن : هو أبو الدرداء . وقال ابن زيد : إنهم الصحابة . ماذا قال آنفا أي الآن ، على جهة الاستهزاء . أي : أنا لم ألتفت إلى قوله . وآنفا يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات إليك ، من قولك : استأنفت الشيء إذا ابتدأت به . ومنه أمر أنف ، وروضة أنف ، أي : لم يرعها أحد . وكأس أنف : إذا لم يشرب منها شيء ، كأنه استؤنف شربها مثل روضة أنف . قال الشاعر [ الحطيئة ] :


ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع



وقال آخر [ لقيط بن زرارة ] :

[ ص: 219 ]

إن الشواء والنشيل والرغف     والقينة الحسناء والكأس الأنف




للطاعنين الخيل والخيل قطف



وقال امرؤ القيس :

قد غدا يحملني في أنفه      [ لاحق الإطلين محبوك ممر ]



أي : في أوله . وأنف كل شيء أوله . وقال قتادة في هؤلاء المنافقين : الناس رجلان : رجل عقل عن الله فانتفع بما سمع ، ورجل لم يعقل ولم ينتفع بما سمع . وكان يقال : الناس ثلاثة : فسامع عامل ، وسامع عاقل ، وسامع غافل تارك .

قوله تعالى : أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فلم يؤمنوا . واتبعوا أهواءهم في الكفر . والذين اهتدوا أي للإيمان زادهم الله هدى . وقيل : زادهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هدى . وقيل : ما يستمعونه من القرآن هدى ، أي : يتضاعف يقينهم . وقال الفراء : زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى . وقيل : زادهم نزول الناسخ هدى . وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل : أحدها : زادهم علما ، قاله الربيع بن أنس . الثاني : أنهم علموا ما سمعوا وعملوا بما علموا ، قاله الضحاك . الثالث : زادهم بصيرة في دينهم وتصديقا لنبيهم ، قاله الكلبي . الرابع : شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان . وآتاهم تقواهم أي ألهمهم إياها . وقيل : فيه خمسة أوجه : أحدها : آتاهم الخشية ، قاله الربيع . الثاني : ثواب تقواهم في الآخرة ، قاله السدي . الثالث : وفقهم للعمل الذي فرض عليهم ، قاله مقاتل . الرابع : بين لهم ما يتقون ، قاله ابن زياد والسدي أيضا . الخامس : أنه ترك المنسوخ والعمل بالناسخ ، قاله عطية . الماوردي : ويحتمل . سادسا : أنه ترك الرخص والأخذ بالعزائم . وقرئ ( وأعطاهم ) بدل وآتاهم وقال عكرمة : هذه نزلت فيمن آمن من أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية