الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم زاد طمأنينته بقوله : اسلك أي : أدخل على الاستقامة مع الخفة والرشاقة يدك في جيبك أي : القطع الذي في ثوبك وهو الذي تخرج منه الرأس ، أو هو الكم ، كما يدخل السلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الدرر ، تنسلك على لونها وما هي عليه من [ ص: 281 ] أثر الحريق الذي عجز فرعون عن مداواته ، وأخرجها تخرج بيضاء أي : بياضا عظيما يكون له شأن خارق للعادات من غير سوء أي : عيب من حريق أو غيره ، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس ، فالآية من الاحتباك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك لا يكون آية محققة لعدم العيب إلا بعودها بعد ذلك إلى لون الجسد قال : واضمم إليك أي : إلى جسدك. ولما كان السياق للتأمين من الخوف ، عبر بالجناح ، لأن الطائر يكون آمنا عند ضم جناحه فقال : جناحك أي : يديك التي صارت بيضاء ، والمراد بالجناح في آية طه الإبط والجانب لأنه لفظ مشترك من الرهب أي : من خشية أن تظنها معيبة تخرج كما كانت قبل بياضها في لون جسدك - هذا على أن المراد بالرهب الخوف الذي بهره فأوجب له الهرب- ويجوز أن يكون المراد بالرهب الكم ، فيكون إدخالها في الفتى - التي ليست موضعها بل الرأس - للبياض ، وإدخالها في الكم - الذي هو لها - لرجوعها إلى عادتها ، وفي البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية ، وقال : وما من خائف بعد موسى عليه الصلاة والسلام إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. وأظهر بلفظ الجناح من [ ص: 282 ] غير إضمار تعظيما للمقام وتنبيها على أن عودها إلى حالها الأول آية مستقلة ، وعبر عنها بلفظ الجناح تنبيها على الشكر بتعظيم نفعها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما تم كونها آية بانقلابها إلى البياض ثم رجوعها إلى لونها قال : فذانك أي : العصا واليد البيضاء ، وشدد أبو عمرو وابن كثير ورويس تقوية لها لتعادل الأسماء المتمكنة ، وذكر لزيادة التقوية برهانان أي : سلطانان وحجتان قاهرتان من ربك أي : المحسن إليك لا يقدر على مثلهما غيره إلى أي : واصلان ، أو أنت مرسل بهما إلى فرعون وملئه كلما أردت ذلك وجدته ، لا أنهما يكونان لك هنا في هذه الحفرة فقط ، ثم علل الإرسال إليهم على وجه إظهار الآيات لهم واستمرارها بقوله مؤكدا تنبيها على [أن] إقدامه على الرجوع إليهم فعل من يظن أنهم رجعوا عن غيهم ، وإعلاما بمنه عليه بالحماية منهم بهذه البراهين : إنهم كانوا أي : جبلة وطبعا قوما أي : أقوياء فاسقين أي : خارجين عن الطاعة ، فإذا رأوا ذلك هابوك ، فلم يقدروا على الوصول إليك بسوء ، وكنت في مقام أن تردهم عن فسقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية