nindex.php?page=treesubj&link=29011_32022_31913_32024nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار .
أعاد نداءهم وعطفت حكايته بواو العطف للإشارة إلى أن نداءه اشتمل على ما
[ ص: 152 ] يقتضي في لغتهم أن الكلام قد تخطى من غرض إلى غرض وأنه سيطرق ما يغاير أول كلامه مغايرة ما تشبه مغايرة المتعاطفين في لغة العرب ، وأنه سيرتقي باستدراجهم في درج الاستدلال إلى المقصود بعد المقدمات ، فانتقل هنا إلى أن أنكر عليهم شيئا جرى منهم نحوه وهو أنهم أعقبوا موعظته إياهم بدعوته للإقلاع عن ذلك وأن يتمسك بدينهم وهذا شيء مطوي في خلال القصة دلت عليه حكاية إنكاره عليهم ، وهو كلام آيس من استجابتهم لقوله فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فستذكرون ما أقول لكم ، ومتوقع أذاهم لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44وأفوض أمري إلى الله ، ولقوله تعالى آخر القصة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا . فصرح هنا وبين بأنه لم يزل يدعوهم إلى اتباع ما جاء به
موسى وفي اتباعه النجاة من عذاب الآخرة فهو يدعوهم إلى النجاة حقيقة ، وليس إطلاق النجاة على ما يدعوهم إليه بمجاز مرسل بل يدعوهم إلى حقيقة النجاة بوسائط .
والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ما لي أدعوكم إلى النجاة استفهام تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وتدعونني إلى النار فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وتدعونني إلى النار في موضع الحال بتقدير مبتدأ أي وأنتم تدعونني إلى النار وليست بعطف لأن أصل استعمال : ما لي أفعل ، وما لي لا أفعل ونحوه ، أن يكون استفهاما عن فعل أو حال ثبت للمجرور باللام وهي لام الاختصاص ، ومعنى لام الاختصاص يكسب مدخولها حالة خفيا سببها الذي علق بمدخول اللام نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20ما لي لا أرى الهدهد وقولك لمن يستوقفك : ما لك ؟ فتكون الجملة التي بعد اسم الاستفهام وخبره جملة فعلية .
وتركيب : ( ما لي ) ونحوه ، هو كتركيب : ( هل لك ) ونحوه في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فقل هل لك إلى أن تزكى وقول
كعب بن زهير :
ألا بلغا عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لك
فإذا قامت القرينة على انتفاء إرادة الاستفهام الحقيقي انصرف ذلك إلى التعجب من الحالة ، أو إلى الإنكار أو نحو ذلك . فالمعنى هنا على التعجب يعني
[ ص: 153 ] أنه يعجب من دعوتهم إياه لدينهم مع ما رأوا من حرصه على نصحهم ودعوتهم إلى النجاة وما أتاهم به من الدلائل على صحة دعوته وبطلان دعوتهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله بيان لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وتدعونني إلى النار لأن الدعوة إلى النار أمر مجمل مستغرب فبينه ببيان أنهم يدعونه إلى التلبس بالأسباب الموجبة عذاب النار . والمعنى : تدعونني للكفر بالله وإشراك ما لا أعلم مع الله في الإلهية .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42ما ليس لي به علم ما ليس لي بصحته أو بوجوده علم ، والكلام كناية عن كونه يعلم أنها ليست آلهة بطريق الكناية بنفي اللازم عن نفي الملزوم .
وعطف عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار فكان بيانا لمجمل جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أدعوكم إلى النجاة ، وإبراز ضمير المتكلم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وأنا أدعوكم لإفادة تقوي الخبر بتقديم المسند إليه على خبره الفعلي .
وفعل الدعوة إذا ربط بمتعلق غير مفعوله يعدى تارة باللام وهو الأكثر في الكلام ، ويعدى بحرف " إلى " وهو الأكثر في القرآن لما يشتمل عليه من الاعتبارات ولذلك علق به معموله في هذه الآية أربع مرات ب ( إلى ) ومرة باللام مع ( ما ) في ربط فعل الدعوة بمتعلقه الذي هو من المعنويات من مناسبة لام التعليل مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ، وربطه بما هو ذات بحرف ( إلى ) في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أدعوكم إلى النجاة فإن النجاة هي نجاة من النار فهي نجاة من أمر محسوس ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41تدعونني إلى النار وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا إلخ ، لأن حرف ( إلى ) دال على الانتهاء لأن الذي يدعو أحدا إلى شيء إنما يدعوه إلى أن ينتهي إليه ، فالدعاء إلى الله الدعاء إلى توحيده بالربوبية فشبه بشيء محسوس تشبيه المعقول بالمحسوس ، وشبه اعتقاده صحته بالوصول إلى الشيء المسعي إليه ، وشبهت الدعوة إليه بالدلالة على الشيء المرغوب الوصول إليه فكانت في حرف ( إلى ) استعارة مكنية وتخييلية وتبعية ، وفي العزيز الغفار استعارة مكنية ، وفي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أدعوكم استعارة تبعية وتخييلية .
[ ص: 154 ] وعدل عن اسم الجلالة إلى الصفتين العزيز الغفار لإدماج الاستدلال على استحقاقه الإفراد بالإلهية والعبادة ، بوصفه العزيز لأنه لا تناله الناس بخلاف أصنامهم فإنها ذليلة توضع على الأرض ويلتصق بها القتام وتلوثها الطيور بذرقها ، ولإدماج ترغيبهم في الإقلاع عن الشرك بأن الموحد بالإلهية يغفر لهم ما سلف من شركهم حتى لا ييأسوا من عفوه بعد أن أساؤوا إليه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني بيان لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله .
وكلمة لا جرم بفتحتين في الأفصح من لغات ثلاث فيها ، كلمة يراد بها معنى لا يثبت أو لا بد ، فمعنى ثبوته لأن الشيء الذي لا ينقطع هو باق وكل ذلك يؤول إلى معنى ( حق ) وقد يقولون : لا ذا جرم ، ولا أن ذا جرم ، ولا عن ذا جرم ، ولا جر بدون ميم ترخيما للتخفيف .
والأظهر أن جرم اسم لا فعل لأنه لو كان فعلا لكان ماضيا بحسب صيغته فيكون دخول لا عليه من خصائص استعمال الفعل في الدعاء .
والأكثر أن يقع بعدها " أن " المفتوحة المشددة فيقدر معها حرف " في " ملتزما حذفه غالبا . والتقدير : لا شك في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة .
وتقدم بيان معنى لا جرم وأن ( جرم ) فعل أو اسم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=22لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون في سورة هود .
وماصدق ( ما ) الأصنام ، وأعيد الضمير عليها مفردا في قوله ليس له مراعاة لإفراد لفظ ( ما ) .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43أصحاب النار واقع موقع التعليل لجملتي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار لأنه إذا تحقق أن لا دعوة للأصنام في الدنيا بدليل المشاهدة ، ولا في الآخرة بدلالة الفحوى ، فقد تحقق أنها لا تنجي أتباعها في الدنيا ولا يفيدهم دعاؤها ولا نداؤها . وتحقق إذن أن المرجو للإنعام في الدنيا والآخرة هو الرب الذي يدعوهم هو إليه . وهذا دليل إقناعي غير قاطع للمنازع في إلهية رب هذا المؤمن ولكنه أراد إقناعهم
[ ص: 155 ] واستحفظهم دليله لأنهم سيظهر لهم قريبا أن رب
موسى له دعوة في الدنيا ثقة منه بأنهم سيرون انتصار
موسى على
فرعون ويرون صرف
فرعون عن قتل
موسى بعد عزمه عليه فيعلمون أن الذي دعا إليه
موسى هو المتصرف في الدنيا فيعلمون أنه المتصرف في الآخرة .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43ليس له دعوة انتفاء أن يكون الدعاء إليه بالعبادة أو الالتجاء نافعا لا نفي وقوع الدعوة لأن وقوعها مشاهد . فهذا من باب
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002292لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقولهم : ليس ذلك بشيء ، أي بشيء نافع ، وبهذا تعلم أن ( دعوة ) مصدر متحمل معنى ضمير فاعل ، أي ليست دعوة داع ، وأن ضمير ( له ) عائد إلى ( ما ) الموصولة ، أي لا يملك دعوة الداعين ، أي لا يملك إجابتهم .
وعطفت على هذه الجملة جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وأن مردنا إلى الله عطف اللازم على ملزومه لأنه إذ تبين أن رب
موسى المسمى " الله " هو الذي له الدعوة ، تبين أن المرد ، أي المصير إلى الله في الدنيا بالالتجاء والاستنصار وفي الآخرة بالحكم والجزاء .
ولو عطف مضمون هذه الجملة بالفاء المفيدة للتفريع لكانت حقيقة بها ، ولكن عدل عن ذلك إلى عطفها بالواو اهتماما بشأنها لتكون مستقلة الدلالة بنفسها غير باحث سامعها على ما ترتبط به ، لأن الشيء المتفرع على شيء يعتبر تابعا له ، كما قال الأصوليون في أن جواب السائل غير المستقل بنفسه تابع لعموم السؤال .
وكذلك جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وأن المسرفين هم أصحاب النار بالنسبة إلى تفرع مضمونها على مضمون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وأن مردنا إلى الله لأنه إذا كان المصير إليه كان الحكم والجزاء بين الصائرين إليه من مثاب ومعاقب فيتعين أن المعاقب هم الكافرون بالله .
فالإسراف هنا : إفراط الكفر ، ويشمل ما قيل : إنه أريد هنا سفك الدم بغير حق ليصرف
فرعون عن قتل
موسى عليه السلام . والوجه أن يعم أصحاب الجرائم والآثام . والتعريف فيه تعريف الجنس المفيد للاستغراق وهو تعريض بالذين يخاطبهم إذ هم مسرفون على كل تقدير فهم مسرفون في إفراط كفرهم
[ ص: 156 ] بالرب الذي دعا إليه
موسى ، ومسرفون فيما يستتبعه ذلك من المعاصي والجرائم فضمير الفصل في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43هم أصحاب النار يفيد قصرا ادعائيا لأنهم المتناهون في صحبة النار بسبب الخلود بخلاف عصاة المؤمنين ، وهذا لحمل كلام المؤمن على موافقة الواقع لأن المظنون به أنه نبيء أو ملهم وإلا فإن المقام مقام تمييز حال المؤمنين من حال المشركين ، وليس مقام تفصيل درجات الجزاء في الآخرة .
nindex.php?page=treesubj&link=29011_32022_31913_32024nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَيَا قَوْمِ مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ .
أَعَادَ نِدَاءَهُمْ وَعُطِفَتْ حِكَايَتُهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ نِدَاءَهُ اشْتَمَلَ عَلَى مَا
[ ص: 152 ] يَقْتَضِي فِي لُغَتِهِمْ أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَخَطَّى مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ وَأَنَّهُ سَيَطْرُقُ مَا يُغَايِرُ أَوَّلَ كَلَامِهِ مُغَايِرَةَ مَا تُشْبِهُ مُغَايِرَةَ الْمُتَعَاطِفَيْنَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، وَأَنَّهُ سَيَرْتَقِي بِاسْتِدْرَاجِهِمْ فِي دَرَجِ الِاسْتِدْلَالِ إِلَى الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْمُقْدِمَاتِ ، فَانْتَقَلَ هُنَا إِلَى أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا جَرَى مِنْهُمْ نَحْوَهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَعْقَبُوا مَوْعِظَتَهُ إِيَّاهُمْ بِدَعْوَتِهِ لِلْإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَتَمَسَّكَ بِدِينِهِمْ وَهَذَا شَيْءٌ مَطْوِيٌّ فِي خِلَالِ الْقِصَّةِ دَلَّتْ عَلَيْهِ حِكَايَةُ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ كَلَامُ آيِسٍ مِنِ اسْتِجَابَتِهِمْ لِقَوْلِهِ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ، وَمُتَوَقِّعٌ أَذَاهُمْ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى آخِرَ الْقِصَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا . فَصَرَّحَ هُنَا وَبَيْنَ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ
مُوسَى وَفِي اتِّبَاعِهِ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ حَقِيقَةً ، وَلَيْسَ إِطْلَاقُ النَّجَاةِ عَلَى مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ بِمَجَازٍ مُرْسَلٍ بَلْ يَدْعُوهُمْ إِلَى حَقِيقَةِ النَّجَاةِ بِوَسَائِطَ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ اسْتِفْهَامٌ تَعَجُّبِيُّ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِ بِجُمْلَةِ الْحَالِ وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ أَيْ وَأَنْتُمْ تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ وَلَيْسَتْ بِعَطْفٍ لِأَنَّ أَصْلَ اسْتِعْمَالِ : مَا لِي أَفْعَلُ ، وَمَا لِي لَا أَفْعَلُ وَنَحْوِهُ ، أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا عَنْ فِعْلٍ أَوْ حَالٍ ثَبَتَ لِلْمَجْرُورِ بِاللَّامِ وَهِيَ لَامُ الِاخْتِصَاصِ ، وَمَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ يُكْسِبُ مَدْخُولَهَا حَالَةً خَفِيًّا سَبَبُهَا الَّذِي عُلِّقَ بِمَدْخُولِ اللَّامِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ وَقَوْلِكَ لِمَنْ يَسْتَوْقِفُكَ : مَا لَكَ ؟ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعُدَ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ وَخَبَرِهِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً .
وَتَرْكِيبُ : ( مَا لِي ) وَنَحْوِهُ ، هُوَ كَتَرْكِيبِ : ( هَلْ لَكَ ) وَنَحْوِهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=18فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَقَوْلِ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ :
أَلَا بَلِّغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتُ وَيْحَكَ هَلْ لَكَ
فَإِذَا قَامَتِ الْقَرِينَةُ عَلَى انْتِفَاءِ إِرَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ انْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى التَّعَجُّبِ مِنَ الْحَالَةِ ، أَوْ إِلَى الْإِنْكَارِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ . فَالْمَعْنَى هُنَا عَلَى التَّعَجُّبِ يَعْنِي
[ ص: 153 ] أَنَّهُ يُعْجَبُ مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِيَّاهُ لِدِينِهِمْ مَعَ مَا رَأَوْا مِنْ حِرْصِهِ عَلَى نُصْحِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى النَّجَاةِ وَمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَتِهِ وَبُطْلَانِ دَعْوَتِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى النَّارِ أَمْرٌ مُجْمَلٌ مُسْتَغْرَبٌ فَبَيَّنَهُ بِبَيَانِ أَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى التَّلَبُّسِ بِالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ عَذَابَ النَّارِ . وَالْمَعْنَى : تَدْعُونَنِي لِلْكُفْرِ بِاللَّهِ وَإِشْرَاكِ مَا لَا أَعْلَمُ مَعَ اللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ مَا لَيْسَ لِي بِصِحَّتِهِ أَوْ بِوُجُودِهِ عِلْمٌ ، وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ بِنَفْيِ اللَّازِمِ عَنْ نَفْيِ الْمَلْزُومِ .
وَعُطِفَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ فَكَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَإِبْرَازُ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وَأَنَا أَدْعُوكُمْ لِإِفَادَةِ تَقَوِّي الْخَبَرِ بِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى خَبَرِهِ الْفِعْلِيِّ .
وَفِعْلُ الدَّعْوَةِ إِذَا رُبِطَ بِمُتَعَلِّقٍ غَيْرِ مَفْعُولِهِ يُعَدَّى تَارَةً بِاللَّامِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي الْكَلَامِ ، وَيُعَدَّى بِحَرْفِ " إِلَى " وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ وَلِذَلِكَ عُلِّقَ بِهِ مَعْمُولُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِ ( إِلَى ) وَمَرَّةً بِاللَّامِ مَعَ ( مَا ) فِي رَبْطِ فِعْلِ الدَّعْوَةِ بِمُتَعَلِّقِهِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْمَعْنَوِيَّاتِ مِنْ مُنَاسَبَةِ لَامِ التَّعْلِيلِ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ، وَرَبْطُهُ بِمَا هُوَ ذَاتٌ بِحَرْفِ ( إِلَى ) فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ فَإِنَّ النَّجَاةَ هِيَ نَجَاةٌ مِنَ النَّارِ فَهِيَ نَجَاةٌ مِنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا إِلَخْ ، لِأَنَّ حَرْفَ ( إِلَى ) دَالٌ عَلَى الِانْتِهَاءِ لِأَنَّ الَّذِي يَدْعُو أَحَدًا إِلَى شَيْءٍ إِنَّمَا يَدْعُوهُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَيْهِ ، فَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ الدُّعَاءُ إِلَى تَوْحِيدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَشُبِّهَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسِ تَشْبِيهَ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ، وَشُبِّهَ اعْتِقَادُهُ صِحَّتَهُ بِالْوُصُولِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَسْعِيِّ إِلَيْهِ ، وَشُبِّهَتِ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْغُوبِ الْوُصُولُ إِلَيْهِ فَكَانَتْ فِي حَرْفِ ( إِلَى ) اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً وَتَخْيِيلِيَّةً وَتَبَعِيَّةً ، وَفِي الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ ، وَفِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41أَدْعُوكُمْ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ وَتَخْيِيلِيَّةٌ .
[ ص: 154 ] وَعَدَلَ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى الصِّفَتَيْنِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لِإِدْمَاجِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْإِفْرَادَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ ، بِوَصْفِهِ الْعَزِيزِ لِأَنَّهُ لَا تَنَالُهُ النَّاسُ بِخِلَافِ أَصْنَامِهِمْ فَإِنَّهَا ذَلِيلَةٌ تُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَلْتَصِقُ بِهَا الْقَتَامُ وَتُلَوِّثُهَا الطُّيُورُ بِذَرَقِهَا ، وَلِإِدْمَاجِ تَرْغِيبِهِمْ فِي الْإِقْلَاعِ عَنِ الشِّرْكِ بِأَنَّ الْمُوَحَّدَ بِالْإِلَهِيَّةِ يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ شِرْكِهِمْ حَتَّى لَا يَيْأَسُوا مِنْ عَفْوِهِ بَعْدَ أَنْ أَسَاؤُوا إِلَيْهِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي بَيَانٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ .
وَكَلِمَةُ لَا جَرَمَ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْأَفْصَحِ مِنْ لُغَاتٍ ثَلَاثٍ فِيهَا ، كَلِمَةٌ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى لَا يَثْبُتُ أَوْ لَا بُدَّ ، فَمَعْنَى ثُبُوتِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ هُوَ بَاقٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى ( حَقَّ ) وَقَدْ يَقُولُونَ : لَا ذَا جَرَمَ ، وَلَا أَنْ ذَا جَرَمَ ، وَلَا عَنْ ذَا جَرَمَ ، وَلَا جَرَ بِدُونِ مِيمٍ تَرْخِيمًا لِلتَّخْفِيفِ .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ جَرَمَ اسْمٌ لَا فِعْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِعْلًا لَكَانَ مَاضِيًا بِحَسَبَ صِيغَتِهِ فَيَكُونُ دُخُولُ لَا عَلَيْهِ مِنْ خَصَائِصِ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ فِي الدُّعَاءِ .
وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا " أَنِ " الْمَفْتُوحَةُ الْمُشَدَّدَةُ فَيُقَدَّرُ مَعَهَا حَرْفُ " فِي " مُلْتَزَمًا حَذْفُهُ غَالِبًا . وَالتَّقْدِيرُ : لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ .
وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى لَا جَرَمَ وَأَنَّ ( جَرَمَ ) فِعْلٌ أَوْ اسْمٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=22لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ فِي سُورَةِ هُودٍ .
وَمَاصَدَقَ ( مَا ) الْأَصْنَامُ ، وَأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلَيْهَا مُفْرَدًا فِي قَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ مُرَاعَاةً لِإِفْرَادِ لَفْظِ ( مَا ) .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43أَصْحَابُ النَّارِ وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَتَيْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ لِأَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنْ لَا دَعْوَةَ لِلْأَصْنَامِ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى ، فَقَدْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا لَا تُنْجِي أَتْبَاعَهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا يُفِيدُهُمْ دُعَاؤُهَا وَلَا نِدَاؤُهَا . وَتَحَقَّقَ إِذَنْ أَنَّ الْمَرْجُوَّ لِلْإِنْعَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوهُمْ هُوَ إِلَيْهِ . وَهَذَا دَلِيلٌ إِقْنَاعِيٌّ غَيْرُ قَاطِعٍ لِلْمُنَازِعِ فِي إِلَهِيَّةِ رَبِّ هَذَا الْمُؤْمِنِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ إِقْنَاعَهُمْ
[ ص: 155 ] وَاسْتَحْفَظَهُمْ دَلِيلَهُ لِأَنَّهُمْ سَيَظْهَرُ لَهُمْ قَرِيبًا أَنَّ رَبَّ
مُوسَى لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا ثِقَةً مِنْهُ بِأَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ انْتِصَارَ
مُوسَى عَلَى
فِرْعَوْنَ وَيَرَوْنَ صَرْفَ
فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِ
مُوسَى بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَيْهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ
مُوسَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الدُّنْيَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْآخِرَةِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ انْتِفَاءُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ إِلَيْهِ بِالْعِبَادَةِ أَوْ الِالْتِجَاءِ نَافِعًا لَا نَفْيَ وُقُوعِ الدَّعْوَةِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا مَشَاهِدٌ . فَهَذَا مِنْ بَابِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002292لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُمْ : لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ، أَيْ بِشَيْءٍ نَافِعٍ ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ ( دَعْوَةَ ) مَصْدَرٌ مُتَحَمِّلٌ مَعْنَى ضَمِيرِ فَاعِلٍ ، أَيْ لَيْسَتْ دَعْوَةُ دَاعٍ ، وَأَنَّ ضَمِيرَ ( لَهُ ) عَائِدٌ إِلَى ( مَا ) الْمَوْصُولَةُ ، أَيْ لَا يَمْلِكُ دَعْوَةَ الدَّاعِينَ ، أَيْ لَا يَمْلِكُ إِجَابَتَهُمْ .
وَعُطِفَتْ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ عَطْفَ اللَّازِمِ عَلَى مَلْزُومِهِ لِأَنَّهُ إِذْ تَبَيَّنَ أَنَّ رَبَّ
مُوسَى الْمُسَمَّى " اللَّهَ " هُوَ الَّذِي لَهُ الدَّعْوَةُ ، تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرَدَّ ، أَيْ الْمَصِيرَ إِلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا بِالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْحُكْمِ وَالْجَزَاءِ .
وَلَوْ عُطِفَ مَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْفَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّفْرِيعِ لَكَانَتْ حَقِيقَةٌ بِهَا ، وَلَكِنْ عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى عَطْفِهَا بِالْوَاوِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةَ الدَّلَالَةِ بِنَفْسِهَا غَيْرَ بَاحِثٍ سَامِعُهَا عَلَى مَا تَرْتَبِطُ بِهِ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَفَرِّعَ عَلَى شَيْءٍ يُعْتَبَرُ تَابِعًا لَهُ ، كَمَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ جَوَابَ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ تَابِعٌ لِعُمُومِ السُّؤَالِ .
وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَفَرُّعِ مَضْمُونِهَا عَلَى مَضْمُونِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ كَانَ الْحُكْمُ وَالْجَزَاءُ بَيْنَ الصَّائِرِينَ إِلَيْهِ مِنْ مُثَابٍ وَمُعَاقَبٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُعَاقَبَ هُمْ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ .
فَالْإِسْرَافُ هُنَا : إِفْرَاطُ الْكُفْرِ ، وَيَشْمَلُ مَا قِيلَ : إِنَّهُ أُرِيدُ هُنَا سَفْكُ الدَّمِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيَصْرِفَ
فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَالْوَجْهُ أَنْ يَعُمَّ أَصْحَابَ الْجَرَائِمِ وَالْآثَامِ . وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ يُخَاطِبُهُمْ إِذْ هُمْ مُسْرِفُونَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمْ مُسْرِفُونَ فِي إِفْرَاطِ كُفْرِهِمْ
[ ص: 156 ] بِالرَّبِّ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ
مُوسَى ، وَمُسْرِفُونَ فِيمَا يَسْتَتْبِعُهُ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْجَرَائِمِ فَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يُفِيدُ قَصْرًا ادِّعَائِيًّا لِأَنَّهُمُ الْمُتَنَاهُونَ فِي صُحْبَةِ النَّارِ بِسَبَبِ الْخُلُودِ بِخِلَافِ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهَذَا لِحَمْلِ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمَظْنُونَ بِهِ أَنَّهُ نَبِيءٌ أَوْ مُلْهَمٌ وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَمْيِيزِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَلَيْسَ مَقَامَ تَفْصِيلِ دَرَجَاتِ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ .