الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ( 61 ) )

يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة لما جاء بهم فرعون ( ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ) يقول : لا تختلقوا على الله كذبا ، ولا تتقولوه ( فيسحتكم بعذاب ) فيستأصلكم بهلاك فيبيدكم . وللعرب فيه لغتان : سحت ، وأسحت ، وسحت أكثر من أسحت ، يقال منه : سحت الدهر ، وأسحت مال فلان : إذا أهلكه فهو يسحته سحتا ، وأسحته يسحته إسحاتا ، ومن الإسحات قول الفرزدق :


وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف



ويروى : إلا مسحتا أو مجلف . [ ص: 326 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فيسحتكم بعذاب ) يقول : فيهلككم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( فيسحتكم بعذاب ) يقول : يستأصلكم بعذاب .

حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ( فيسحتكم بعذاب ) قال : فيستأصلكم بعذاب فيهلككم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فيسحتكم بعذاب ) قال : يهلككم هلاكا ليس فيه بقية ، قال : والذي يسحت ليس فيه بقية .

حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي ( فيسحتكم بعذاب ) يقول : يهلككم بعذاب .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة " فيسحتكم " بفتح الياء من سحت يسحت . وقرأته عامة قراء الكوفة ( فيسحتكم ) بضم الياء من أسحت يسحت .

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الفتح فيها أعجب إلي لأنها لغة أهل العالية ، وهي أفصح والأخرى وهي الضم في نجد .

وقوله ( وقد خاب من افترى ) يقول : لم يظفر من يخلق كذبا ، ويقول بكذبه ذلك بحاجته التي طلبها به ، ورجا إدراكها به .

التالي السابق


الخدمات العلمية