الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وأما المريض مرض الموت المخوف ، فيصح إقراره بغير المال ، وإن أقر بمال لمن لا يرثه ، صح في أصح الروايتين ، والأخرى : لا يصح ، بزيادة على الثلث . ولا يحاص المقر له غرماء الصحة . وقال أبو الحسن التميمي والقاضي : يحاصهم وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة ، إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح . وإن أقر لوارث وأجنبي ، فهل يصح في حق الأجنبي ؛ على وجهين . وإن أقر لوارث ، فصار عند الموت غير وارث ، لم يصح إقراره . وإن أقر لغير وارث صح . وإن صار وارثا صح ، نص عليه . وقيل : إن الاعتبار بحال الموت ، فيصح في الأولى ، ولا يصح في الثانية ، كالوصية . وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ، ثم تزوجها ، لم يصح إقراره وإن أقر المريض بوارث ، صح . وعنه : لا يصح . وإن أقر بطلاق امرأته في صحته ، لم يسقط ميراثها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وأما المريض مرض الموت المخوف ، فيصح إقراره بغير المال ) لعدم التهمة . ( وإن أقر بمال لمن لا يرثه ، صح في أصح [ ص: 299 ] الروايتين ) كذا صححه في " المحرر " ، وفي " الكافي " : أنه ظاهر المذهب . ونصره في " الشرح " ; لأنه غير متهم في حقه بخلاف الوارث . وهذا قول أكثرهم . وذكر ابن المنذر أنه إجماع من يحفظ عنه . فهو كالإقرار في الصحة .

                                                                                                                          ( والأخرى : لا يصح بزيادة على الثلث ) لأنه ممنوع من عطية ذلك للأجنبي ، بخلاف الثلث فما دون .

                                                                                                                          وعنه : لا يصح مطلقا . ذكرها في " الكافي " و " الشرح " كالإقرار لوارث ؛ ولأن حق الورثة تعلق بماله ، أشبه المفلس . ( ولا يحاص المقر له غرماء الصحة ) قال القاضي : هو قياس المذهب . وصححه السامري ، سواء أخبر بلزومه قبل المرض أو بعده ; لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته ، كما لو أقر بعد الفلس . ( وقال أبو الحسن التميمي والقاضي ) وهو ظاهر الخرقي ، واختاره ابن أبي موسى ، وهو رواية عن أحمد : ( يحاصهم ) إذا لم يكن في التركة وفاء للجميع ; لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال ، فتساويا كدين الصحة ، وكما لو ثبتا بالبينة .

                                                                                                                          وعلى الثانية التي تقول : لا تصح بزيادة على الثلث : لا يحاص . فإن أقر لهما جميعا في المرض تساويا ; لأنهما تساويا في الحال ، كغريمي الصحة .

                                                                                                                          فرع : إذا أقر المريض بعين ثم بدين ، أو عكسه : فرب العين أحق . [ ص: 300 ] وفي الثانية : احتمال في " نهاية الأزجي " ، كإقراره بدين . فإن أقر بعين لزمه في حقه ، ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفي الغرماء في الأشهر . ( وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة ) نص عليه ، قال جماعة : أو أجازه بقية الورثة . وظاهر نصه : لا . وهو ظاهر " الانتصار " . والأول : أولى ; لأنه إيصال المال إلى وارثه بقوله ، فلم يصح كالهبة والوصية ، بخلاف ما إذا كان له بينة أو أجاز الوارث لعدم التهمة . واختار بعضهم : يصح إذا لم يتهم ، كمن له بنت وابن عم ، فأقر لابنته لم يقبل ، وإن أقر لابن عمه قبل .

                                                                                                                          وجوابه : أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها ، فوجب اعتبارها بمظنتها ، وهو الإرث .

                                                                                                                          وعنه : يصح مطلقا . وقاله الحسن وعطاء وإسحاق ; لأن من صح الإقرار له في الصحة صح في المرض كالأجنبي .

                                                                                                                          وعلى الأول ( إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح ) نص عليه . بالزوجية لا بإقراره ، وجزم به في " الكافي " و " الشرح " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ; لأنه إقرار بما يحقق سببه ، وعلم وجوبه ، ولم تعلم البراءة منه ، أشبه ما لو اشترى عبدا فأقر للبائع بثمن مثله . نقل أبو طالب : يكون من الثلث .

                                                                                                                          وفي " التبصرة " و " نهاية الأزجي " و " المغني " و " الترغيب " : [ ص: 301 ] يصح بمهر مثلها . فظاهره : أنهم جعلوه لها بالإقرار لا بالزوجية . وعنه : لا يصح . وهو قول الشعبي لما تقدم .

                                                                                                                          فلو أقرت أنه لا مهر لها عليه ، لم يجز إلا أن تقيم بينة أنها أخذته منه ، نقله مهنا .

                                                                                                                          ( وإن أقر لوارث وأجنبي ) بمال ( فهل يصح في حق الأجنبي ؛ على وجهين ) .

                                                                                                                          أحدهما : يصح . نصره في " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، كما لو أقر بلفظين .

                                                                                                                          والثاني : لا يصح كما لو شهد لابنه وأجنبي بشيء .

                                                                                                                          وفرق في " الشرح " بينهما : بأن الإقرار أقوى ، ولذلك لا تعتبر فيه العدالة . وقيل : لا يصح إن عزاه إلى سبب واحد .

                                                                                                                          فرع : يصح إقراره بأخذ دين صحة ومرض من أجنبي ، في ظاهر كلامه . قاله القاضي وأصحابه .

                                                                                                                          وذكر الشريف في " رءوس المسائل " : إذا أقر المريض باستيفاء ديونه ، قبل منه . [ ص: 302 ] وفي " الرعاية " : لا يصح بقبض مهر وخلع ، بل حوالة ومبيع وقرض . وإن أطلق فوجهان . ( وإن أقر لوارث ، فصار عند الموت غير وارث ، لم يصح إقراره . وإن أقر لغير وارث صح . وإن صار وارثا صح ، نص عليه ) نصره في " الشرح " ، وقدمه في " الكافي " ، وصححه في " الفروع " ; لأن العبرة بحال الإقرار لا الموت . فيصح في الثانية لا الأولى ; للتهمة فيها ، بخلاف الثانية كالشهادة ؛ ولأنه إذا أقر لغير وارث ثبت الإقرار ؛ وصح لوجوده من أهله خاليا عن تهمة ، فثبت الحق به ، ولم يوجد مسقط فلا يسقط . وإذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به ، فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك .

                                                                                                                          قال في " الفروع " : ومرادهم ـ والله أعلم ـ بعدم الصحة : لا يلزم ـ لا بطلانه ـ ; لأنهم قاسوه على الوصية . ( وقيل : إن الاعتبار بحال الموت ، فيصح في الأولى ، ولا يصح في الثانية ، كالوصية ) وهي رواية ; لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث ، فاعتبر فيه حالة الموت كالوصية . والفرق ظاهر : أن الوصية عطية بعد الموت ، فاعتبر فيها حالة الموت ، بخلاف مسألتنا . وأطلق في " الوجيز " : الصحة فيهما . وهو غريب . وكذا الحكم إن أعطاه وهو غير وارث ثم صار وارثا . ذكره في " الترغيب " وغيره . ( وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ، ثم تزوجها ، لم يصح إقراره ) أي : إذا مات في مرضه ; لأنه إقرار لوارث في مرض الموت ، أشبه ما لو لم يبنها ؛ ولأن الاعتبار إما بحال الإقرار ، أو بحال الموت ، والزوجة وارثة في الحالين . [ ص: 303 ] وفي " الرعاية الكبرى " : لو أقر لها بدين ، ثم تزوجها ومات ، بطل إلا أن يجيزه الورثة .

                                                                                                                          فرع : إذا أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته لأجنبي ، صح ; لأنه وهب وارثا . وفي " نهاية الأزجي " : يصح لأجنبي كإنشائه . وفيه لوارث وجهان .

                                                                                                                          أحدهما : لا يصح كالإنشاء .

                                                                                                                          والثاني : يصح ؛ لأنه لو أخبر عن شيء أو صدق فيه ، ثبت استحقاق الوارث له ، فلا بد من القبول . وفي " الروضة " و " الانتصار " : لا يصح لوارثه بدين ولا غيره .

                                                                                                                          ( وإن أقر المريض بوارث ، صح ) صححه في " المحرر " و " الشرع " ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ; لأنه إقرار لغير وارث ، فصح . كما لو لم يصر وارثا . ( وعنه : لا يصح ) لأنه حين الموت وارث ، وكما لو أقر لوارث بمال .

                                                                                                                          وجوابه هنا : إقرار بمال من طريق الحكم ، وهناك من طريق الصريح ، والأصول فرقت بين الإقرارين . ( وإن أقر بطلاق امرأته في صحته ، لم يسقط ميراثها ) لأنه متهم ، وكما لو طلقها في مرضه .

                                                                                                                          تنبيه : يصح إقرار المريض بإحبال الأمة ; لأنه يملك ذلك ، فملك [ ص: 304 ] الإقرار به .

                                                                                                                          وكذا كل ما ملكه : ملك الإقرار به . فإذا أقر بذلك ثم مات ، فإن تبين أنه استولدها في ملكه ، فولده حر الأصل ، وأمه أم ولد تعتق بموته من رأس المال .

                                                                                                                          وإن قال : من نكاح أو وطء شبهة . عتق الولد ، ولم تصر أم ولد له . فإن كان من نكاح فعليه الولاء ; لأنه مسه رق ، وإن كان من وطء شبهة لم تصر أم ولد ، وإن لم يبين السبب فالأصل الرق .

                                                                                                                          ويحتمل أن تصير أم ولد ; لأن الظاهر استيلادها في ملكه . ولا ولاء على الولد ; لأن الأصل عدمه . فإن كان له وارث ، قام مقامه في بيان كيفية استيلادها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية