الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 21 ] قوله تعالى :

ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما

تقدم القول في معنى الكسب؛ والإثم: الحكم اللاحق عن المعصية؛ ونسبة المرء إلى العقوبة فيها؛ وقوله: فإنما يكسبه على نفسه ؛ أي: إياها يردي؛ وبها يحل المكروه.

وقوله تعالى : خطيئة أو إثما ؛ ذهب بعض الناس إلى أنهما لفظان بمعنى؛ كرر لاختلاف اللفظ؛ وقال الطبري : "إنما فرق بين الخطيئة والإثم؛ لأن الخطيئة تكون عن عمد؛ وعن غير عمد؛ والإثم لا يكون إلا عن عمد". وهذه الآية لفظها عام؛ ويندرج تحت ذلك العموم؛ وتوبيخه؛ أهل النازلة المذكورة؛ وبريء النازلة قيل: هولبيد بن سهل؛ وقيل: هو زيد بن السمين اليهودي؛ وقيل: أبو مليل الأنصاري؛ وقوله تعالى : فقد احتمل ؛ تشبيه؛ إذ الذنوب ثقل ووزر؛ فهي كالمحمولات؛ و "بهتانا"؛ معناه: كذبا على البريء؛ ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قلت في أخيك ما فيه مما يكره سماعه؛ فقد اغتبته؛ فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته"؛ فرمي البريء بهت له؛ ونفس الخطيئة والإثم إثم مبين؛ ومعصية هذا الرامي معصيتان.

ثم وقف الله تعالى نبيه على هذا؛ وعصمته له؛ وأنها بفضل من الله ورحمته.

وقوله: لهمت ؛ معناه: لجعلته همها وشغلها؛ حتى تنفذه؛ وهذا يدل على أن الألفاظ عامة في غير أهل النازلة؛ وإلا فأهل التعصب لبني أبيرق قد وقع همهم وثبت؛ وإنما المعنى: "ولولا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك؛ ويجعله هم نفسه"؛ أي: كما فعل هؤلاء؛ لكن العصمة تبطل كيد الجميع؛ فيبقى الضلال في حيزهم.

[ ص: 22 ] ثم ضمن وعد الله له أنهم لا يضرونه شيئا؛ وقرر عليه نعمه؛ من إنزال الكتاب المتلو؛ والحكمة التي بعضها خوطب به؛ وبعضها جعلت له سجية ملكها؛ وقريحة يعمل عنها؛ وينظر بين الناس بها؛ لا ينطق عن الهوى؛ وبهذين علمه ما لم يكن يعلم؛ وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية