الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله ، وأقاموا كتابهم باتباعه ، والعمل بما فيه ، ليسر الله لهم الأرزاق ، وأرسل عليهم المطر ، وأخرج لهم ثمرات الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصا بهم ، كقوله عن نوح وقومه فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [ 71 \ 11 ] ، وقوله عن هود وقومه : ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم الآية [ 11 \ 52 ] ، وقوله عن نبينا - عليه الصلاة والسلام - وقومه وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى [ 11 \ 3 ] ، وقوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الآية [ 16 \ 97 ] . على أحد الأقوال وقوله : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الآية [ 7 \ 96 ] ، وقوله : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب [ 65 \ 2 ، 3 ] ، وقوله : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى [ 20 \ 132 ] ، ومفهوم الآية أن معصية الله تعالى ، سبب لنقيض ما [ ص: 417 ] يستجلب بطاعته ، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس الآية [ 30 \ 41 ] ، ونحوها من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة ، أن أهل الكتاب قسمان :

                                                                                                                                                                                                                                      طائفة منهم مقتصدة في عملها ، وكثير منهم سيئ العمل ، وقسم هذه الأمة إلى ثلاثة أقسام في قوله : فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير [ 35 \ 32 ] ، ووعد الجميع بالجنة بقوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ 35 \ 33 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر القسم الرابع : وهو الكفار منها بقوله : والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا الآية [ 35 \ 36 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر الأقوال في المقتصد ، والسابق ، والظالم ، أن المقتصد هو من امتثل الأمر ، واجتنب النهي ، ولم يزد على ذلك ، وأن السابق بالخيرات هو من فعل ذلك ، وزاد بالتقرب إلى الله بالنوافل ، والتورع عن بعض الجائزات ، خوفا من أن يكون سببا لغيره ، وأن الظالم هو المذكور في قوله : خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم الآية [ 9 \ 102 ] ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية