الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ( 64 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله ( فأجمعوا كيدكم ) فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ( فأجمعوا كيدكم ) بهمز الألف من ( فأجمعوا ) ، ووجهوا معنى ذلك إلى : فأحكموا كيدكم ، واعزموا عليه ، من قولهم : أجمع فلان الخروج ، وأجمع [ ص: 333 ] على الخروج ، كما يقال : أزمع عليه ، ومنه قول الشاعر :


يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع



يعني بقوله : " مجمع " ; قد أحكم وعزم عليه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يجمع على الصوم من الليل فلا صوم له " .

وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة : " فاجمعوا كيدكم " بوصل الألف ، وترك همزها ، من جمعت الشيء ، كأنه وجهه إلى معنى : فلا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به . وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتل فيما ذكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله ( فتولى فرعون فجمع كيده ) . .

قال أبو جعفر : والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين ، فلا وجه لأن يقال لهم : أجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون ، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده ، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر ، بل كان يوم إظهاره ، أو كان متفرقا مما هو عنده ، بعضه إلى بعض ، ولم يكن السحر متفرقا عندهم فيجمعونه ، وأما قوله ( فجمع كيده ) فغير شبيه المعنى بقوله ( فأجمعوا كيدكم ) وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به موسى مما لم يكن عنده مجتمعا حاضرا ، فقيل : فتولى فرعون فجمع كيده . [ ص: 334 ] وقوله ( ثم ائتوا صفا ) يقول : احضروا وجيئوا صفا ، والصف هاهنا مصدر ، ولذلك وحد ، ومعناه : ثم ائتوا صفوفا ، وللصف في كلام العرب موضع آخر ، وهو قول العرب : أتيت الصف اليوم ، يعني به المصلى الذي يصلي فيه .

وقوله ( وقد أفلح اليوم من استعلى ) يقول : قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره .

كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن وهب بن منبه قال : جمع فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال ( ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ) أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية