nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=29011_30440وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد .
يجوز أن يكون ( إذ ) معمولا ل اذكر محذوف فيكون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وأنذرهم يوم الآزفة ، والضمير عائدا إلى
[ ص: 160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان وما بين هذا وذاك اعتراض واستطراد لأنها قصد منها عظة المشركين بمن سبقهم من الأمم المكذبين فلما استوفي ذلك عاد الكلام إليهم . ويفيد ذلك صريح
الوعيد للمشركين بعد أن ضربت لهم الأمثال كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وللكافرين أمثالها ، وقد تكرر في القرآن موعظة المشركين بمثل هذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا الآية في سورة البقرة ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38قالت أولاهم لأخراهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار الآية في سورة الأعراف .
ويجوز أن تكون
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وإذ يتحاجون عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب لأن ( إذ ) و يوم كليهما ظرف بمعنى حين ، فيكون المعنى : وحين تقوم الساعة يقال : أدخلوا
آل فرعون أشد العذاب ، وحين يتحاج أهل النار فيقول الضعفاء إلخ .
وقرن
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فيقول الضعفاء بالفاء لإفادة كون هذا القول ناشئا عن تحاجهم في النار مع كون ذلك دالا على أنه في معنى متعلق ( إذ ) ، وهذا استعمال من استعمالات الفاء التي يسميها النحاة زائدة ، وأثبت زيادتها جماعة منهم
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء والأعلم وابن برهان ، وحكاه عن أصحابه
البصريين . وضمير يتحاجون على هذا الوجه عائد إلى
آل فرعون لأن ذلك يأباه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ولم يأت
آل فرعون إلا رسول واحد هو
موسى عليه السلام فيعود ضمير يتحاجون إلى معلوم من المقام وهم أهل النار .
والتحاج : الاحتجاج من جانبين فأكثر ، أي إقامة كل فريق حجته وهو يقتضي وقوع خلاف بين المتحاجين إذ الحجة تأييد الدعوى لدفع الشك في صحتها .
والضعفاء : عامة الناس الذين لا تصرف لهم في أمور الأمة . والذين
[ ص: 161 ] استكبروا : سادة القوم ، أي الذين تكبروا كبرا شديدا ، فالسين والتاء فيه للمبالغة .
وقول الضعفاء للكبراء هذا الكلام يحتمل أنه على حقيقته فهو ناشئ عما اعتادوه من اللجأ إليهم في مهمهم حين كانوا في الدنيا فخالوا أنهم يتولون تدبير أمورهم في ذلك المكان ولهذا أجاب الذين استكبروا بما يفيد أنهم اليوم سواء في العجز وعدم الحيلة فقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها أي لو أغنينا عنكم لأغنينا عن أنفسنا .
وتقديم قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إنا كنا لكم تبعا على طلب التخفيف عنهم من النار ، مقدمة للطلب لقصد توجيهه وتعليله وتذكيرهم بالولاء الذي بينهم في الدنيا ، يلهمهم الله هذا القول لافتضاح عجز المستكبرين أن ينفعوا أتباعهم تحقيرا لهم جزاء على تعاظمهم الذي كانوا يتعاظمون به في الدنيا .
ويحتمل أن قول الضعفاء ليس مستعملا في حقيقة الحث على التخفيف عنهم ولكنه مستعمل في التوبيخ ، أي كنتم تدعوننا إلى دين الشرك فكانت عاقبة ذلك أن صرنا في هذا العذاب فهل تستطيعون الدفع عنا .
وتأكيد
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إنا كنا لكم تبعا ب ( إن ) للاهتمام بالخبر وليس لرد إنكار .
والتبع : اسم لمن يتبع غيره ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو مثل خدم وحشم لأن أصله مصدر ، فلذلك استوى فيه الواحد والجمع ، وقيل : التبع : جمع لا يجري على الواحد ، فهو إذن من الجموع النادرة .
والاستفهام في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فهل أنتم مغنون مستعمل في الحث واللوم على خذلانهم وترك الاهتمام بما هم فيه من عذاب .
وجيء بالجملة الاسمية الدالة على الثبات ، أي هل من شأنكم أنكم مغنون عنا .
و مغنون اسم فاعل من أغنى غناء بفتح الغين والمد ، أي فائدة وإجزاء .
والنصيب : الحظ والحصة من الشيء ، قال تعالى
[ ص: 162 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7نصيبا مفروضا .
وقد ضمن مغنون معنى دافعون ورادون ، فلذلك عدي إلى مفعول وهو نصيبا ، أي جزءا من حر النار غير محدد المقدار من قوتها ، و من النار بيان ل نصيبا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء فهم قانعون بكل ما يخفف عنهم من شدة حر النار وغير طامعين في الخروج منها . ويجوز أن يكون مغنون على معناه دون تضمين ويكون نصيبا منصوبا على المفعول المطلق ل ( مغنون ) والتقدير غناء نصيبا ، أي غناء ما ولو قليلا . و من النار متعلقا ب مغنون كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=67وما أغني عنكم من الله من شيء .
ويجوز أن يكون النصيب الجزء من أزمنة العذاب فيكون على حذف مضاف تقديره : من مدة النار .
ولما كان جواب الذين استكبروا للذين استضعفوا جاريا في مجرى المحاورة جرد فعل ( قال ) من حرف العطف على طريقة المحاورة كما تقدم غير مرة .
ومعنى قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها نحن وأنتم مستوون في الكون في النار فكيف تطمعون أن ندفع عنكم شيئا من العذاب .
وعلى وجه أن يكون قول الضعفاء
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إنا كنا لكم تبعا إلى آخره توبيخا ولوما لزعمائهم يكون قول الزعماء
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها اعترافا بالغلط ، أي دعوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار . وتأكيد الكلام ب ( إن ) للاهتمام بتحقيقه أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم ، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار ، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون : ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم .
و ( كل ) مرفوع بالابتداء وخبره ( فيها ) والجملة من المبتدأ وخبره خبر ( إن ) وتنوين ( كل ) تنوين عوض عن المضاف إليه ، إذ التقدير : إنا كلنا في النار .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إن الله قد حكم بين العباد تتنزل منزلة بدل الاشتمال من جملة
[ ص: 163 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم .
والمعنى : نحن مستوون في العذاب وهو حكم الله فلا مطمع في التفصي من حكمه فقد جوزي كل فريق بما يستحق .
وما في هذه الجملة الثانية من عموم تعلق فعل الحكم بين العباد ما يجعل هذا البدل بمنزلة التذييل ، أي أن الله حكم بين العباد كلهم بجزاء أعمالهم فكان قسطنا من الحكم هذا العذاب .
فكلمة ( بين ) هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو المكان المتوسط ، أي وقع حكمه وقضاؤه في مجمعهم الذي حضره من حكم عليه ومن حكم له ومن لم يتعرض للحكومة لأنه من أهل الكرامة بالجنة ، فليست كلمة ( بين ) هنا بمنزلة ( بين ) في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فاحكم بينهم بما أنزل الله فإنها في ذلك مستعملة مجازا في التفرقة بين المحق والمبطل .
وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممهم على علم بعواقب ذلك كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة ، إذ ما كان لهم أن يغروا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم ، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وإن كان قحمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم فإنهم ملومون على عدم التوثيق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها فيهووا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميما ، ويلقوا في الآخرة جحيما .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=29011_30440وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ .
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( إِذْ ) مَعْمُولًا لِ اذْكُرْ مَحْذُوفٍ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى
[ ص: 160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ وَمَا بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ اعْتِرَاضٌ وَاسْتِطْرَادٌ لِأَنَّهَا قُصِدُ مِنْهَا عِظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ فَلَمَّا اسْتُوفِيَ ذَلِكَ عَادَ الْكَلَامُ إِلَيْهِمْ . وَيُفِيدُ ذَلِكَ صَرِيحَ
الْوَعِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَتْ لَهُمُ الْأَمْثَالُ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ مَوْعِظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِمِثْلِ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38قَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ لِأَنَّ ( إِذْ ) وَ يَوْمَ كِلَيْهِمَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : وَحِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقَالُ : أَدْخِلُوا
آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ، وَحِينَ يَتَحَاجُّ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ إِلَخْ .
وَقَرَنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ كَوْنَ هَذَا الْقَوْلِ نَاشِئًا عَنْ تَحَاجِّهِمْ فِي النَّارِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنًى مُتَعَلِّقِ ( إِذْ ) ، وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ الْفَاءِ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ زَائِدَةً ، وَأَثْبَتَ زِيَادَتَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءُ وَالْأَعْلَمُ وَابْنُ بُرْهَانٍ ، وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِهِ
الْبَصْرِيِّينَ . وَضَمِيرُ يَتَحَاجُّونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَائِدٌ إِلَى
آلِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَلَمْ يَأْتِ
آلَ فِرْعَوْنَ إِلَّا رَسُولٌ وَاحِدٌ هُوَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَعُودُ ضَمِيرُ يَتَحَاجُّونَ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ .
وَالْتَحَاجُّ : الِاحْتِجَاجُ مِنْ جَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ ، أَيْ إِقَامَةُ كُلِّ فَرِيقٍ حُجَّتَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي وُقُوعَ خِلَافٍ بَيْنِ الْمُتَحَاجِّينَ إِذِ الْحُجَّةُ تَأْيِيدُ الدَّعْوَى لِدَفْعِ الشَّكِّ فِي صِحَّتِهَا .
وَالضُّعَفَاءُ : عَامَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِي أُمُورِ الْأُمَّةِ . وَالَّذِينَ
[ ص: 161 ] اسْتَكْبَرُوا : سَادَةُ الْقَوْمِ ، أَيِ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا كِبَرًا شَدِيدًا ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ .
وَقَوْلُ الضُّعَفَاءِ لِلْكُبَرَاءِ هَذَا الْكَلَامَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَهُوَ نَاشِئٌ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنَ اللَّجَأِ إِلَيْهِمْ فِي مُهِمِّهِمْ حِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَخَالُوا أَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ تَدْبِيرَ أُمُورِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلِهَذَا أَجَابَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بِمَا يُفِيدُ أَنَّهُمُ الْيَوْمَ سَوَاءٌ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْحِيلَةِ فَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا أَيْ لَوْ أَغْنَيْنَا عَنْكُمْ لَأَغْنَيْنَا عَنْ أَنْفُسِنَا .
وَتَقْدِيمُ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا عَلَى طَلَبِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ مِنَ النَّارِ ، مُقَدِّمَةٌ لِلطَّلَبِ لِقَصْدِ تَوْجِيهِهِ وَتَعْلِيلِهِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالْوَلَاءِ الَّذِي بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، يُلْهِمُهُمُ اللَّهُ هَذَا الْقَوْلَ لِافْتِضَاحِ عَجْزِ الْمُسْتَكْبِرِينَ أَنْ يَنْفَعُوا أَتْبَاعَهُمْ تَحْقِيرًا لَهُمْ جَزَاءً عَلَى تَعَاظُمِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاظَمُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ قَوْلَ الضُّعَفَاءِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَةِ الْحَثِّ عَلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ ، أَيْ كُنْتُمْ تَدْعُونَنَا إِلَى دِينِ الشِّرْكِ فَكَانَتْ عَاقِبَةُ ذَلِكَ أَنْ صِرْنَا فِي هَذَا الْعَذَابِ فَهَلْ تَسْتَطِيعُونَ الدَّفْعَ عَنَّا .
وَتَأْكِيدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا بِ ( إِنَّ ) لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَلَيْسَ لِرَدِّ إِنْكَارٍ .
وَالتَّبَعُ : اسْمٌ لِمَنْ يَتْبَعُ غَيْرَهُ ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ ، وَهُوَ مِثْلُ خَدَمٍ وَحَشَمٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَصْدَرٌ ، فَلِذَلِكَ اسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ ، وَقِيلَ : التَّبَعُ : جَمْعٌ لَا يَجْرِي عَلَى الْوَاحِدِ ، فَهُوَ إِذَنْ مِنَ الْجُمُوعِ النَّادِرَةِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَثِّ وَاللَّوْمِ عَلَى خِذْلَانِهِمْ وَتُرْكِ الِاهْتِمَامِ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ عَذَابٍ .
وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ ، أَيْ هَلْ مِنْ شَأْنِكُمْ أَنَّكُمْ مُغْنُونَ عَنَّا .
وَ مُغْنُونَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَغْنَى غَنَاءً بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ ، أَيْ فَائِدَةٌ وَإِجْزَاءٌ .
وَالنَّصِيبُ : الْحَظُّ وَالْحِصَّةُ مِنَ الشَّيْءِ ، قَالَ تَعَالَى
[ ص: 162 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7نَصِيبًا مَفْرُوضًا .
وَقَدْ ضُمِّنَ مُغْنُونَ مَعْنَى دَافِعُونَ وَرَادُّونَ ، فَلِذَلِكَ عُدِّيَ إِلَى مَفْعُولٍ وَهُوَ نَصِيبًا ، أَيْ جُزْءًا مِنْ حَرِّ النَّارِ غَيْرَ مُحَدَّدِ الْمِقْدَارِ مِنْ قُوَّتِهَا ، وَ مِنَ النَّارِ بَيَانٌ لِ نَصِيبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُمْ قَانِعُونَ بِكُلِّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ وَغَيْرُ طَامِعِينَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُغْنُونَ عَلَى مَعْنَاهُ دُونَ تَضْمِينٍ وَيَكُونَ نَصِيبًا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِ ( مُغْنُونَ ) وَالتَّقْدِيرُ غَنَّاءً نَصِيبًا ، أَيْ غِنَاءً مَا وَلَوْ قَلِيلًا . وَ مِنَ النَّارِ مُتَعَلِّقًا بِ مُغْنُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=67وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصِيبُ الْجُزْءَ مِنْ أَزْمِنَةِ الْعَذَابِ فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ : مِنْ مُدَّةِ النَّارِ .
وَلَمَّا كَانَ جَوَابُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينِ اسْتُضْعِفُوا جَارِيًا فِي مَجْرَى الْمُحَاوَرَةِ جُرِّدَ فَعَلُ ( قَالَ ) مِنْ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ مُسْتَوُونَ فِي الْكَوْنِ فِي النَّارِ فَكَيْفَ تَطْمَعُونَ أَنْ نَدْفَعَ عَنْكُمْ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ .
وَعَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الضُّعَفَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا إِلَى آخِرِهِ تَوْبِيخًا وَلَوْمًا لِزُعَمَائِهِمْ يَكُونُ قَوْلُ الزُّعَمَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا اعْتِرَافًا بِالْغَلَطِ ، أَيْ دَعُوا لَوْمَنَا وَتَوْبِيخَنَا فَقَدْ كَفَانَا أَنَا مَعَكُمْ فِي النَّارِ . وَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِ ( إِنَّ ) لِلِاهْتِمَامِ بِتَحْقِيقِهِ أَوْ لِتَنْزِيلِ مَنْ طَالَبُوهُمْ بِالْغَنَاءِ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ مَعَ مُشَاهَدَتِهِمْ أَنَّهُمْ فِي الْعَذَابِ مِثْلُهُمْ ، مَنْزِلَةَ مَنْ يَحْسَبُهُمْ غَيْرَ وَاقِعِينَ فِي النَّارِ ، وَفِي هَذَا التَّنْزِيلِ ضَرْبٌ مِنَ التَّوْبِيخِ يَقُولُونَ : أَلَسْتُمْ تَرَوْنَنَا فِي النَّارِ مَثَلَكُمْ فَكَيْفَ نُغْنِي عَنْكُمْ .
وَ ( كُلٌّ ) مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ ( فِيهَا ) وَالْجُمْلَةُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ خَبَرُ ( إِنَّ ) وَتَنْوِينُ ( كُلٌّ ) تَنْوِينُ عِوَضٍ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : إِنَّا كُلُّنَا فِي النَّارِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ
[ ص: 163 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا فَكِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ جَوَابٌ لَهُمْ مُؤْيِسٌ مِنْ حُصُولِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ .
وَالْمَعْنَى : نَحْنُ مُسْتَوُونَ فِي الْعَذَابِ وَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فَلَا مَطْمَعَ فِي التَّفَصِّي مِنْ حُكْمِهِ فَقَدْ جُوزِيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ .
وَمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عُمُومِ تَعَلُّقِ فِعْلِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا يُجْعَلُ هَذَا الْبَدَلَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ بِجَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فَكَانَ قِسْطُنَا مِنَ الْحُكْمِ هَذَا الْعَذَابَ .
فَكَلِمَةُ ( بَيْنَ ) هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَوَسِّطُ ، أَيْ وَقَعَ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي مَجْمَعِهِمُ الَّذِي حَضَرَهُ مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ وَمَنْ حُكِمَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحُكُومَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ بِالْجَنَّةِ ، فَلَيْسَتْ كَلِمَةُ ( بَيْنَ ) هُنَا بِمَنْزِلَةِ ( بَيْنَ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنَّهَا فِي ذَلِكَ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِبْرَةٌ لِزُعَمَاءِ الْأُمَمِ وَقَادَتِهِمْ أَنْ يَحْذَرُوا الِارْتِمَاءَ بِأَنْفُسِهِمْ فِي مَهَاوِي الْخُسْرَانِ فَيُوقِعُوا الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْمَهَاوِي فَإِنْ كَانَ إِقْدَامُهُمْ وَمُغَامَرَتُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأُمَمِهِمْ عَلَى عِلْمٍ بِعَوَاقِبَ ذَلِكَ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِالْمَذَمَّةِ وَالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ ، إِذْ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُغْرَوْا بِأَقْوَامٍ وَكَّلُوا أُمُورَهُمْ بِقَادَتِهِمْ عَنْ حُسْنِ ظَنٍّ فِيهِمْ ، أَنْ يَخُونُوا أَمَانَتَهُمْ فِيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَحْمُهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِي مَضَائِقِ الزَّعَامَةِ عَنْ جَهْلٍ بِعَوَاقِبِ قُصُورِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ فَإِنَّهُمْ مَلُومُونَ عَلَى عَدَمِ التَّوْثِيقِ مِنْ كَفَاءَتِهِمْ لِتَدْبِيرِ الْأُمَّةِ فَيَخْبِطُوا بِهَا خَبْطَ عَشْوَاءٍ حَتَّى يَزِلُّوا بِهَا فَيَهْوُوا بِهَا مِنْ شَوَاهِقَ بَعِيدَةٍ فَيَصِيرُوا رَمِيمًا ، وَيَلْقُوا فِي الْآخِرَةِ جَحِيمًا .