الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ( 67 ) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ( 68 ) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ( 69 ) ) [ ص: 337 ] يعني تعالى ذكره بقوله : فأوجس في نفسه خوفا موسى فوجده .

وقوله ( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) يقول تعالى ذكره : قلنا لموسى إذ أوجس في نفسه خيفة ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) على هؤلاء السحرة ، وعلى فرعون وجنده ، والقاهر لهم ( وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ) يقول : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى .

وقوله ( إنما صنعوا كيد ساحر ) اختلفت القراء في قراءة قوله ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ( إنما صنعوا كيد ساحر ) برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى : إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( إنما صنعوا كيد ساحر ) برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة ، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر ، ومكر السحر وخدعته : تخيله إلى المسحور على خلاف ما هو به في حقيقته ، فالساحر كائد بالسحر ، والسحر كائد بالتخييل ، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب ، وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ( كيد سحر ) بنصب كيد ، ومن قرأ ذلك كذلك ، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد .

قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القراء على خلافها .

وقوله ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) يقول : ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان . وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول : معنى ذلك : أن الساحر يقتل حيث وجد . وذكر بعض نحويي البصرة أن ذلك في حرف ابن مسعود " ولا يفلح الساحر أين أتى " وقال : العرب تقول : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، وقال غيره من أهل العربية الأول : جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال : وأما قول العرب : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، فإنما هو جواب لم يفهم ، فاستفهم كما قالوا : أين الماء والعشب .

التالي السابق


الخدمات العلمية