الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في نسبها

                                                                                                                                                                                                                              تقدم نسب أبيها في الباب الأول ، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي ، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، وأمها العوقة ، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : فيمن تزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              قال الزبير بن بكار -رحمه الله تعالى- : كانت خديجة -رضي الله تعالى عنها- قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي ، فولدت له جارية اسمها هند ، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة بن واقد بن حبيب بن سلامة بن عدي بن أسد بن عمرو بن تميم ، حليف بني عبد الدار بن قصي ، فولدت له هند وهالة ، فهما أخوا ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه الطبراني والأكثر ، تقدم أبي هالة على عتيق .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في كيفية زواجه -صلى الله عليه وسلم- إياها :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن عباس ، والبزار والطبراني برجال ثقات أكثرهم رجال الصحيح عن جابر بن سمرة أو رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبزار والطبراني بسند ضعيف (عن عمار بن ياسر ، والبزار والطبراني بسند ضعيف) عن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهم- قال جابر أو الرجل المبهم : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرعى غنما فاستعلى الغنم ، فكان يرعى الإبل هو وشريك له ، فأكريا أخت خديجة ، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شيء ، فجعل شريكه يأتيها ، فيتقاضيا ، ويقول لمحمد : انطلق ، فيقول : اذهب أنت ، فإني أستحي . فقالت مرة وأتاهم شريكه ، فقالت : أين محمد ؟ قال : قد قلت فزعم أنه يستحي ، فقالت : ما رأيت رجلا أشد حياء ، ولا أعف ولا ولا ، فوقع في نفس أختها خديجة ، فبعثت إليه ، فقالت : ائت أبي فاخطبني ، قال : إن أباك رجل كثير المال ، وهو لا يفعل .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عمار قال : خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة [ ص: 156 ] وهي جالسة على أدم لها فنادتني ، فانصرفت إليها ، ووقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : أما لصاحبك في تزوج خديجة حاجة ؟ فأخبرته ، فقال : بلى ، لعمري ، فرجعت إليها فأخبرتها .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث جابر والرجل المبهم ، فقالت : انطلق إلى أبي فكلمه وأنا أكفيك ، وائت عندنا بكرة ، ففعل .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر خديجة ، وكان أبوها يرغب أن يزوجه إياها ، فصنعت طعاما وشرابا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عمار : فذبحت بقرة . قال ابن عباس : فدعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى علوا ، فقالت خديجة : إن محمد بن عبد الله يخطبني ، فزوجني إياه ، وفي حديث جابر والرجل المبهم : فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس : فخلفته وألبسته حلة ، زاد عمار : وضربت عليه قبة ، وقال ابن عباس : وكذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه قبة ، فقال : ما شأني ؟ ما هذا ؟ قالت : زوجتني محمد بن عبد الله ، وقال : جابر أو الرجل المبهم : فلما أصبح جلس في المجلس ، فقيل له : أحسنت ، زوجت محمدا ، فقال : أوقد فعلت ، قالوا : نعم ، فقام ، فدخل عليها ، فقال : إن الناس يقولون : إني قد زوجت محمدا! وما فعلت ، قالت : بلى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال : أنا أزوج يتيم أبي طالب ؟ لا ، لعمري ، فقالت خديجة : ألا تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، وتخبر الناس أنك كنت سكران ، فإن محمدا كذا ، فلم تزل به حتى رضي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال جابر أو الرجل المبهم : ثم بعثت إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بوقيتين من فضة أو ذهب ، وقالت : اشتر حلة وأهدها لي ، وكيسا ، وكذا وكذا ، ففعل .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت رضي الله عنها تدعى في الجاهلية الطاهرة ، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث بخمس عشرة سنة ، وقيل : أكثر من ذلك ، وهي بنت الأربعين سنة ، وقيل : أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أنها أول من أسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني برجال ثقات عن بريك -رضي الله تعالى عنه- قال : خديجة أول من أسلم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلي بن أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بإسناد لا بأس به عن قتادة بن دعامة -رحمه الله تعالى- قال : توفيت خديجة -رضي الله تعالى عنها- قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهي أول من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من النساء والرجال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الله بن محمد بن عقيل -رحمه الله تعالى- قال : كانت خديجة أول الناس إيمانا بما أنزل الله .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن شهاب -رحمه الله تعالى- : كانت خديجة أول من آمن بالله ، وصدق رسول الله قبل أن تفرض الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 157 ] رواهما أبو بكر بن أبي خيثمة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمر بن عبد البر : اتفقوا على أن خديجة -رضي الله تعالى عنها- أول من آمن .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو الحسن بن الأثير : خديجة أول خلق الله إسلاما بإجماع المسلمين ، لم يتقدمها رجل ولا امرأة ، وأقره الحافظ الناقد أبو عبد الله الذهبي ، وحكى الإمام الثعلبي اتفاق العلماء على ذلك ، وإنما اختلافهم في أول من أسلم بعدها بعد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- : إنه الصواب عند جماعة من المحققين ، قال : فخفف الله بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يسمع بشيء يكرهه من الرد عليه ، فيرجع إليها ، فتثبته وتهون عليه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية