nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=29011_28684_19736وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين .
لما كانت المجادلة في آيات الله تشمل مجادلتهم في وحدانية الإلهية كما دل عليه
[ ص: 181 ] قوله الآتي ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=73ثم قيل لهم أين ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=74من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا ، فجعل لم نكن ندعو نقيض ما قيل لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=92أين ما كنتم تعبدون ، وتشمل
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30336المجادلة في وقوع البعث كما دل عليه قوله بعد هذه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=69ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=71إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل الآية ، أعقب ذكر المجادلة أولا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وذلك استدلال على إمكان البعث ، ثم عطف عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم الآية ، تحذيرا من الإشراك به ، وأيضا لما ذكر أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء الله وحده أمرا مفرعا على توبيخ المشركين بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وعلى قوله عقب ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13وما يتذكر إلا من ينيب وانتقل الكلام إثر ذلك إلى الأهم وهو إنذار المشركين
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وأنذرهم يوم الآزفة إلخ ، وتتابعت الأغراض حتى استوفت مقتضاها ، عاد الكلام الآن إلى ما يشمل عبادة المؤمنين الخالصة لله تعالى وهو أيضا متصل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . فلما تقدم ذكر الدعاء بمعنييه : معنى العبادة ، ومعنى سؤال المطلوب ، أردف بهذا الأمر الجامع لكلا المعنيين .
والقول المخبر عنه بفعل قال ربكم يجوز أن يراد به كلام الله النفسي ، أي ما تعلقت إرادة الله تعلقا صلاحيا ، بأن يقوله عند إرادة تكوينه ، ويجوز أن يراد القول اللفظي ويكون التعبير بـ ( قال ) الماضي إخبارا عن أقوال مضت في آيات قبل نزول هذه الآية مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=14فادعوا الله مخلصين له الدين بخلاف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أجيب دعوة الداع إذا دعان فإنه نزل بعد هذه الآية ، ويجوز أن يكون الماضي مستعملا في الحال مجازا ، أي يقول ربكم : ادعوني .
والدعاء يطلق بمعنى النداء المستلزم للاعتراف بالمنادى ، ويطلق على الطلب وقد جاء من كلام النبيء - صلى الله عليه وسلم - ما فيه صلاحية
nindex.php?page=treesubj&link=19733معنى الدعاء الذي في هذه الآية لما يلائم المعنيين في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير قال :
سمعت النبيء - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002296الدعاء هو العبادة ثم قرأ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين رواه
الترمذي . وقال : هذا حديث حسن صحيح ، فإن قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002297الدعاء هو العبادة يقتضي اتحاد الحقيقتين
[ ص: 182 ] nindex.php?page=treesubj&link=19738فإذا كان الدعاء هو العبادة كانت العبادة هي الدعاء لا محالة .
فالدعاء يطلق على سؤال العبد من الله حاجته وهو معناه في اللغة ، ويطلق على عبادة الله على طريق الكناية لأن العبادة لا تخلو من دعاء المعبود بنداء تعظيمه والتضرع إليه ، وهذا إطلاق أقل شيوعا من الأول ، ويراد بالعبادة في اصطلاح القرآن
إفراد الله بالعبادة ، أي الاعتراف بوحدانيته .
والاستجابة تطلق على إعطاء المسئول لمن سأله وهو أشهر إطلاقها ، وتطلق على أثر قبول العبادة بمغفرة الشرك السابق وبحصول الثواب على أعمال الإيمان فإفادة الآية على معنى طلب الحاجة من الله يناسب ترتب الاستجابة على ذلك الطلب معلقا على مشيئة الله أو على استيفاء شروط قبول الطلب ، وإعطاء خير منه في الدنيا ، أو إعطاء عوض منه في الآخرة . وإفادتها على معنى إفراد الله بالعبادة ، أي بأن يتوبوا عن الشرك ، فترتب الاستجابة هو قبول ذلك ، فإن قبول التوبة من الشرك مقطوع به .
فلما جمعت الآية بين الفعلين على تفاوت بين شيوع الإطلاق في كليهما علمنا أن في المعنى المراد ما يشبه الاحتباك بأن صرح بالمعنى المشهور في كلا الفعلين ، ثم أعقب بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي ، فعلمنا أن المراد الدعاء والعبادة ، وأن الاستجابة أريد بها قبول الدعاء وحصول أثر العبادة . ففعل ادعوني مستعمل في معنييه بطريقة عموم المشترك .
وفعل أستجب مستعمل في حقيقته ومجازه ، والقرينة ما علمت وذلك من الإيجاز والكلام الجامع .
وتعريف الله بوصف الرب مضافا إلى ضمير المخاطبين لما في هذا الوصف وإضافته من الإيماء إلى وجوب امتثال أمره لأن من حق الربوبية امتثال ما يأمر به موصوفها لأن المربوب محقوق بالطاعة لربه ، ولهذا لم يعرج مع هذا الوصف على تذكير بنعمته ولا إشارة إلى كمالات ذاته .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم تعليل للأمر
[ ص: 183 ] بالدعاء تعليلا يفيد التحذير من إباية دعاء الله حين الإقبال على دعاء الأصنام ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا وكان المشركون لا يضرعون إلى الله إلا إذا لم يتوسموا استجابة شركائهم ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ، ومعنى التعليل للأمر بالدعاء بهذا التحذير : أن الله لا يحب لعباده ما يفضي بهم إلى العذاب ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر ففي الآية دليل على طلب الله من عباده أن يدعوه في حاجاتهم .
nindex.php?page=treesubj&link=19735ومشروعية الدعاء لا خلاف فيها بين المسلمين وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=28791الخلاف في أنه ينفع في رد القدر أو لا وهو خلاف بيننا وبين
المعتزلة . وليس في الآية حجة عليهم لأنهم تأولوا معنى أستجب لكم ، وتقدم قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية في سورة البقرة ، وفي الإتيان بالموصول إيماء إلى التعليل .
وداخرين حال من ضمير سيدخلون أي أذلة ، دخر كمنع وفرح : صغر وذل ، وتقدم قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48سجدا لله وهم داخرون في سورة النحل .
وقرأ الجمهور سيدخلون بفتح التحتية وضم الخاء . وقرأه
أبو جعفر ،
ورويس عن
يعقوب بضم التحتية وفتح الخاء على البناء للنائب ، أي سيدخلهم ملائكة العذاب جهنم .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60nindex.php?page=treesubj&link=29011_28684_19736وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .
لَمَّا كَانَتِ الْمُجَادَلَةُ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَشْمَلُ مُجَادَلَتَهُمْ فِي وَحْدَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ
[ ص: 181 ] قَوْلُهُ الْآتِي ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=73ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=74مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ، فَجَعَلَ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو نَقِيضَ مَا قِيلَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=92أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، وَتَشْمَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30336الْمُجَادَلَةُ فِي وُقُوعِ الْبَعْثِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=69أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=71إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ الْآيَةَ ، أَعْقَبَ ذِكْرَ الْمُجَادَلَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَذَلِكَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ الْآيَةَ ، تَحْذِيرًا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِهِ ، وَأَيْضًا لَمَّا ذُكِرَ أَمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُعَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ أَمْرًا مُفَرَّعًا عَلَى تَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَعَلَى قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ وَانْتَقَلَ الْكَلَامُ إِثْرَ ذَلِكَ إِلَى الْأَهَمِّ وَهُوَ إِنْذَارُ الْمُشْرِكِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=18وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِلَخْ ، وَتَتَابَعَتِ الْأَغْرَاضُ حَتَّى اسْتَوْفَتْ مُقْتَضَاهَا ، عَادَ الْكَلَامُ الْآنَ إِلَى مَا يَشْمَلُ عِبَادَةَ الْمُؤْمِنِينَ الْخَالِصَةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَيْضًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ . فَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الدُّعَاءِ بِمَعْنَيَيْهِ : مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَمَعْنَى سُؤَالِ الْمَطْلُوبِ ، أَرْدَفَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْجَامِعِ لِكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ .
وَالْقَوْلُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِفِعْلِ قَالَ رَبُّكُمْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ النَّفْسِيُّ ، أَيْ مَا تَعَلَّقَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ تَعَلُّقًا صَلَاحِيًّا ، بِأَنْ يَقُولَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ تَكْوِينِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْقَوْلُ اللَّفْظِيُّ وَيَكُونَ التَّعْبِيرُ بِـ ( قَالَ ) الْمَاضِي إِخْبَارًا عَنْ أَقْوَالٍ مَضَتْ فِي آيَاتٍ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=14فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَالِ مَجَازًا ، أَيْ يَقُولُ رَبُّكُمُ : ادْعُونِي .
وَالدُّعَاءُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى النِّدَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلِاعْتِرَافِ بِالْمُنَادَى ، وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّلَبِ وَقَدْ جَاءَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِيهِ صَلَاحِيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=19733مَعْنَى الدُّعَاءِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا يُلَائِمُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ :
سَمِعْتُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002296الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ . وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002297الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْحَقِيقَتَيْنِ
[ ص: 182 ] nindex.php?page=treesubj&link=19738فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةَ كَانَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ الدُّعَاءَ لَا مَحَالَةَ .
فَالدُّعَاءُ يُطْلَقُ عَلَى سُؤَالِ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ حَاجَتَهُ وَهُوَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَخْلُو مِنْ دُعَاءِ الْمَعْبُودِ بِنِدَاءِ تَعْظِيمِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا إِطْلَاقٌ أَقَلُّ شُيُوعًا مِنَ الْأَوَّلِ ، وَيُرَادُ بِالْعِبَادَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ
إِفْرَادُ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ ، أَيِ الِاعْتِرَافُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ .
وَالِاسْتِجَابَةُ تُطْلَقُ عَلَى إِعْطَاءِ الْمَسْئُولِ لِمَنْ سَأَلَهُ وَهُوَ أَشْهَرُ إِطْلَاقِهَا ، وَتُطْلَقُ عَلَى أَثَرِ قَبُولِ الْعِبَادَةِ بِمَغْفِرَةِ الشِّرْكِ السَّابِقِ وَبِحُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِ الْإِيمَانِ فَإِفَادَةُ الْآيَةِ عَلَى مَعْنَى طَلَبِ الْحَاجَةِ مِنَ اللَّهِ يُنَاسِبُ تَرَتُّبَ الِاسْتِجَابَةِ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ مُعَلَّقًا عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ عَلَى اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ قَبُولِ الطَّلَبِ ، وَإِعْطَاءِ خَيْرٍ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ إِعْطَاءِ عِوَضٍ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ . وَإِفَادَتِهَا عَلَى مَعْنَى إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ ، أَيْ بِأَنْ يَتُوبُوا عَنِ الشِّرْكِ ، فَتَرَتُّبُ الِاسْتِجَابَةِ هُوَ قَبُولُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنَ الشِّرْكِ مَقْطُوعٌ بِهِ .
فَلَمَّا جَمَعَتِ الْآيَةُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ شُيُوعِ الْإِطْلَاقِ فِي كِلَيْهِمَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مَا يُشْبِهُ الِاحْتِبَاكَ بِأَنْ صَرَّحَ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ فِي كِلَا الْفِعْلَيْنِ ، ثُمَّ أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ وَالْعِبَادَةُ ، وَأَنَّ الِاسْتِجَابَةَ أُرِيدَ بِهَا قَبُولُ الدُّعَاءِ وَحُصُولُ أَثَرِ الْعِبَادَةِ . فَفِعْلُ ادْعُونِي مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيْهِ بِطَرِيقَةِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ .
وَفِعْلُ أَسْتَجِبْ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، وَالْقَرِينَةُ مَا عَلِمْتَ وَذَلِكَ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْكَلَامِ الْجَامِعِ .
وَتَعْرِيفُ اللَّهِ بِوَصْفِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ لِمَا فِي هَذَا الْوَصْفِ وَإِضَافَتِهِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وُجُوبِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ امْتِثَالَ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَوْصُوفُهَا لِأَنَّ الْمَرْبُوبَ مَحْقُوقٌ بِالطَّاعَةِ لِرَبِّهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَرِّجْ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ عَلَى تَذْكِيرٍ بِنِعْمَتِهِ وَلَا إِشَارَةٍ إِلَى كَمَالَاتِ ذَاتِهِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ
[ ص: 183 ] بِالدُّعَاءِ تَعْلِيلًا يُفِيدُ التَّحْذِيرَ مِنْ إِبَايَةِ دُعَاءِ اللَّهِ حِينَ الْإِقْبَالِ عَلَى دُعَاءِ الْأَصْنَامِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَضْرَعُونَ إِلَى اللَّهِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَتَوَسَّمُوا اسْتِجَابَةَ شُرَكَائِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ، وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ بِهَذَا التَّحْذِيرِ : أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ لِعِبَادِهِ مَا يُفْضِي بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَدْعُوَهُ فِي حَاجَاتِهِمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19735وَمَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28791الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَنْفَعُ فِي رَدِّ الْقَدَرِ أَوْ لَا وَهُوَ خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا مَعْنَى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّعْلِيلِ .
وَدَاخِرِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ سَيَدْخُلُونَ أَيْ أَذِلَّةً ، دَخَرَ كَمَنَعَ وَفَرِحَ : صَغُرَ وَذَلَّ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=48سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَيَدْخُلُونَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْخَاءِ . وَقَرَأَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ ،
وَرُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ ، أَيْ سَيُدْخِلُهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ جَهَنَّمَ .