الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [2] الآية . قال الحسن : وحدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا [ ص: 208 ] سفيان بن حسين عن الحسن ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تذبحوا قبل الإمام . وروى الضحاك عن ابن عباس ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : هذا في القتال والشرائع لا تقضوا حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة بل بعضها يشد بعضا ، لأن هذه الأشياء إذا كانت ونزلت الآية تأولها القوم على ظاهرها في كراهة تقديم القول بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أن يتشاوروا ، وتأولها قوم على منع الذبح قبل الإمام ، ودل على هذا أن فعل الطاعات قبل وقتها لا يجوز تقديم الصلاة ولا الزكاة . وقراءة ابن عباس والضحاك ( لا تقدموا) وزعم الفراء أن المعنى فيهما واحد . قال أبو جعفر : وإن كان المعنى واحدا على التساهل فثم فرق بينهما من اللغة قدمت يتعدى فتقديره لا تقدموا القول والفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقدموا ليس كذا ، لأن تقديره لا تقدموا بالقول والفعل .

                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [2]

                                                                                                                                                                                                                                        قال إبراهيم التيمي : فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله لا أكلمك إلا أخا السرار . قال ابن أبي مليكة قال عبد الله بن الزبير فكان عمر بعد نزول هذه الآية لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه . وقال أنس : تأخر ثابت بن قيس في منزله ، وقال : أخاف أن أكون من أهل النار حتى أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : "لست من أهل النار" وعمل جماعة من العلماء على أن كرهوا رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة العلماء وفي [ ص: 209 ] المساجد ، وقالوا : هذا أدب الله جل وعز ورسوله عليه السلام ، واحتجوا في ذلك بحديث البراء وغيره ، كما قرئ على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان أبي عمرو عن البراء قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، والنبي صلى الله عليه وسلم مكب في الأرض فرفع رأسه وقال : "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا" ، وذكر الحديث . فكان فيما ذكرناه فوائد : منها خروج النبي صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أنه لا ينبغي لإمام ولا لأمير ولا قاض أن يتأخر عن الحقوق من أجل ما هو فيه ، وفيه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، أي ساكنين إجلالا له ، فدل هذا على أنه كذا ينبغي لمن جالس عالما أو واليا يجب أن يجل ، كما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا" ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) الكاف في وضع نصب أي جهرا كجهر بعضكم لبعض ( أن تحبط أعمالكم ) "أن" في موضع نصب فقال بعض أهل اللغة : أي لئلا تحبط أعمالكم ، وهذا قول ضعيف إذا تدبر علم أنه خطأ ، والقول ما قاله أبو إسحاق هو غامض في العربية قال : المعنى لأن تحبط وهو عنده مثل ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) ( وأنتم لا تشعرون ) قيل : أي لا تشعرون أن أعمالكم قد حبطت .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 210 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية