nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=29011_29426_31756الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء .
استئناف ثان بناء على أحسن الوجوه التي فسرنا بها موقع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه كما تقدم فلذلك لم تعطف على التي قبلها لأن المقام مقام تعداد
دلائل انفراده تعالى بالتصرف وبالإنعام عليهم حتى يفتضح خطلهم في الإشراك به وكفران نعمه ، فذكرهم في الآية السابقة بآثار قدرته في إيجاد الأعراض القائمة بجواهر هذا العالم وهما عرضا الظلمة والنور ، وفي كليهما نعم عظيمة على الناس ، وذكرهم في هذه الآية بآثار خلق الجواهر في هذا العالم على كيفيات هي نعمة لهم ، وفي خلق أنفسهم على صور صالحة بهم ، فأما إن جعلت اسم الجلالة في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64الله الذي جعل إلخ بدلا من ربكم في
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني ، فإن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64الله الذي جعل لكم الأرض قرارا تكون مستأنفة استئنافا ابتدائيا .
والموصول وصلته يجوز أن يكون صفة لاسم الجلالة فيكون الخبر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64ذلكم الله ربكم وهو أولى لأن المقصود إثبات إلهيته وحده بدليل ما هو مشاهد من إتقان صنعه الممزوج بنعمته .
ويجوز أن يكون الموصول خبرا فيكون الخبر مستعملا في الامتنان والاعتبار . ولما كان المقصود الأول من هذه الآية الامتنان كما دل عليه قوله لكم قدمت الأرض على السماء لأن الانتفاع بها محسوس وذكرت السماء بعدها كما يستحضر الشيء بضده مع قصد إيداع دلائل علم الهيئة لمن فيهم استعداد للنظر فيها وتتبع أحوالها على تفاوت المدارك وتعاقب الأجيال واتساع العلوم .
والقرار أصله ، مصدر قر ، إذا سكن . وهو هنا من صفات الأرض لأنه في حكم الخبر عن الأرض ، فالمعنى يحتمل : أنه جعلها قارة غير مائدة ولا مضطربة فلم تكن مثل كرة الهواء مضطربة متحركة ولو لم تكن قارة لكان الناس في عناء من
[ ص: 190 ] اضطرابها وتزلزلها ، وقد يفضي ذلك بأكثرهم إلى الهلاك وهذا في معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم في سورة الأنبياء .
ويحتمل أن المعنى جعل الأرض ذات قرار ، أي قرار لكم ، أي جعلها مستقرا لكم كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=50وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين أي خلقها على كيفية تلائم الاستقرار عليها بأن جعلها يابسة غير سائلة ولو شاء لجعل سطح الأرض سيالا كالزئبق أو كالعجل فلا يزال الإنسان سائخا فيها يطفو تارة ويسيخ أخرى فلا يكاد يبقى على تلك الحالة ، وذلك كوسط سبخة التاكمرت المسماة شط الجريد الفاصل بين نفطة ونفزاوة من الجنوب التونسي فإن فيها مسافات إذا مشت فيها القوافل ساخت في الأرض فلا يعثر عليها ولذلك لا تسير فيها القوافل إلا بهداة عارفين بمسالك السير في علامات منصوبة ، فكانت خلقة الأرض دالة على
عظيم قدرة الله وعلى دقيق حكمته وعلى رحمته بالإنسان والحيوان المعمور بهما وجه الأرض .
والبناء : ما يرفع سمكه على الأرض للاتقاء من الحر والبرد والمطر والدواب . ووصف السماء بالبناء جار على طريقة التشبيه البليغ ، وتقدم الكلام مستوفى عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء في سورة البقرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=29011_29426_31756اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً .
اسْتِئْنَافٌ ثَانٍ بِنَاءً عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ الَّتِي فَسَّرْنَا بِهَا مَوْقِعَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تِعْدَادِ
دَلَائِلِ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ وَبِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَفْتَضِحَ خَطَلُهُمْ فِي الْإِشْرَاكِ بِهِ وَكُفْرَانِ نِعَمِهِ ، فَذَكَّرَهُمْ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِآثَارِ قُدْرَتِهِ فِي إِيجَادِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِجَوَاهِرِ هَذَا الْعَالَمِ وَهُمَا عَرَضَا الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ ، وَفِي كِلَيْهِمَا نِعَمٌ عَظِيمَةٌ عَلَى النَّاسِ ، وَذَكَّرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِآثَارِ خَلْقِ الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ هِيَ نِعْمَةٌ لَهُمْ ، وَفِي خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى صُوَرٍ صَالِحَةٍ بِهِمْ ، فَأَمَّا إِنْ جَعَلْتَ اسْمَ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ إِلَخْ بَدَلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ، فَإِنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا تَكُونُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا .
وَالْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِاسْمِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ إِلَهِيَّتِهِ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ إِتْقَانِ صُنْعِهِ الْمَمْزُوجِ بِنِعْمَتِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ خَبَرًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي الِامْتِنَانِ وَالِاعْتِبَارِ . وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الِامْتِنَانَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَكُمْ قُدِّمَتِ الْأَرْضُ عَلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَحْسُوسٌ وَذُكِرَتِ السَّمَاءُ بَعْدَهَا كَمَا يُسْتَحْضَرُ الشَّيْءُ بِضِدِّهِ مَعَ قَصْدِ إِيدَاعِ دَلَائِلِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ لِمَنْ فِيهِمُ اسْتِعْدَادٌ لِلنَّظَرِ فِيهَا وَتَتَبُّعِ أَحْوَالِهَا عَلَى تَفَاوُتِ الْمَدَارِكِ وَتَعَاقُبِ الْأَجْيَالِ وَاتِّسَاعِ الْعُلُومِ .
وَالْقَرَارُ أَصْلُهُ ، مَصْدَرُ قَرَّ ، إِذَا سَكَنَ . وَهُوَ هُنَا مِنْ صِفَاتِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَبَرِ عَنِ الْأَرْضِ ، فَالْمَعْنَى يَحْتَمِلُ : أَنَّهُ جَعَلَهَا قَارَّةً غَيْرَ مَائِدَةٍ وَلَا مُضْطَرِبَةٍ فَلَمْ تَكُنْ مِثْلَ كُرَةِ الْهَوَاءِ مُضْطَرِبَةً مُتَحَرِّكَةً وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قَارَّةً لَكَانَ النَّاسُ فِي عَنَاءٍ مِنَ
[ ص: 190 ] اضْطِرَابِهَا وَتَزَلْزُلِهَا ، وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ بِأَكْثَرِهِمْ إِلَى الْهَلَاكِ وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى جَعَلَ الْأَرْضَ ذَاتَ قَرَارٍ ، أَيْ قَرَارٍ لَكُمْ ، أَيْ جَعَلَهَا مُسْتَقَرًّا لَكُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=50وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ أَيْ خَلَقَهَا عَلَى كَيْفِيَّةٍ تُلَائِمُ الِاسْتِقْرَارَ عَلَيْهَا بِأَنْ جَعَلَهَا يَابِسَةً غَيْرَ سَائِلَةٍ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَ سَطْحَ الْأَرْضِ سَيَّالًا كَالزِّئْبَقِ أَوْ كَالْعَجَلِ فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ سَائِخًا فِيهَا يَطْفُو تَارَةً وَيَسِيخُ أُخْرَى فَلَا يَكَادُ يَبْقَى عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَذَلِكَ كَوَسَطِ سَبْخَةِ التاكمرت الْمُسَمَّاةِ شَطَّ الْجَرِيدِ الْفَاصِلَ بَيْنَ نُفَطَةَ وَنَفْزَاوَةَ مِنَ الْجَنُوبِ التُّونُسِيِّ فَإِنَّ فِيهَا مَسَافَاتٍ إِذَا مَشَتْ فِيهَا الْقَوَافِلُ سَاخَتْ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُعْثَرُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ لَا تَسِيرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ إِلَّا بِهُدَاةٍ عَارِفِينَ بِمَسَالِكِ السَّيْرِ فِي عَلَامَاتٍ مَنْصُوبَةٍ ، فَكَانَتْ خِلْقَةُ الْأَرْضِ دَالَّةً عَلَى
عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَلَى دَقِيقِ حِكْمَتِهِ وَعَلَى رَحْمَتِهِ بِالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ الْمَعْمُورِ بِهِمَا وَجْهُ الْأَرْضِ .
وَالْبِنَاءُ : مَا يُرْفَعُ سُمْكُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِلِاتِّقَاءِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ وَالدَّوَابِّ . وَوَصْفُ السَّمَاءِ بِالْبِنَاءِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .