الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 73 ] النقص في الجاني المقتص منه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قتل الرجل رجلا والمقتول صحيح والقاتل مريض أو أقطع اليدين أو الرجلين أو أعمي أو به ضرب من جذام أو برص فقال أولياء المقتول هذا ناقص عن صاحبنا قيل إذا كان حيا فأردتم القصاص فالنفس بالنفس والجوارح تبع للنفس لا نبالي بجذمها وسلامتها كما لو قتل صاحبكم وهو سالم وصاحبكم في هذه الحال أو أكثر منها أقدناكم ; لأنه نفس بنفس ولا ينظر فيها إلى أطراف ذاهبة ولا قائمة فإن قال ولاة الدم قد قطع هذا يدي صاحبنا ورجليه ، ثم قتله ولا يد ولا رجل له فأعطنا عوضا من اليدين والرجلين إذ لم يكونا قيل : إنكم إذا قتلتم فقد أتيتم على إفاتته كله وهذه الأطراف تبع لنفسه ولا عوض لكم مما فات من أطرافه كما لا نقص عليكم لو كان صاحبكم المقطوع ، والقاتل صحيحا قتل به وقتله إتلاف لجميع أطرافه .

ولو قتل رجل رجلا فعدا أجنبي على القاتل فقطع يديه أو رجليه عمدا كان له القصاص أو أخذ المال إن شاء وإذا أخذ المال فلا سبيل لولي المقتول على المال في حاله تلك حتى يخير بين القصاص من القتل أو الدية ، وكذلك لو جنى عليه خطأ لم يكن لولي المقتول سبيل على المال وقيل له : إن شئت فاقتل وإن شئت فاختر أخذ الدية فإن اختار أخذ الدية أخذها من أي ماله وجد ديات أو غيرها ، ولو أن رجلا قتل رجلا ، ثم عدا أجنبي على القاتل فجرحه جراحة ما كانت خير ولي المقتول الأول بين قتله بحاله تلك وإن كان مريضا يموت أو أخذ الدية فإن اختار قتله فله قتله ولا يمنع من القتل بالمرض ولا العلة ما كانت ; لأن القتل وحي ويمنع من القصاص والحدود غير القتل بالمرض إذا لم يكن معها قتل بالمرض حتى يبرأ منه وإذا قتله مريضا فلأولياء المقتول على الجاني عليه ما فيه القود من الجراح إن شاءوا القود وإن شاءوا العقل وإن اختار ولي الدم قتله فلم يقتله حتى مات من الجراح التي أصابه بها الأجنبي فلأولياء القتيل الأول الدية في مال الذي قتله ولأولياء الذي قتل القتيل الأول وقتله الأجنبي آخرا على قاتله القصاص أو أخذ الدية فإن اقتصوا منه فدية الأول في مال قاتله المقتول وإن لم يكن لقاتله المقتول مال فسأل ورثة المقتول الأول ورثة المقتول الآخر الذي قتل صاحبهم أخذ ديته ليأخذوها لصاحبهم لم يكن ذلك لهم ; لأن قاتله متعد عليه القصاص فلا يبطل حكم الله عز وجل عليه بالقصاص منه بأن يفلس لأهل القتيل الأول بدية قتيلهم .

وهذا هكذا في الجراح لو قطع رجل يمنى رجل فقطع آخر يمنى القاطع ولا مال للقاطع المقطوعة يمناه فقال المقطوعة يمناه الأول قد كانت يمين هذا لي أقتص منها ولا مال له آخذه بيميني وله إن شاء مال على قاطعه فاقضوا له به على قاطعه لآخذه منه ولا تقتصوا له به فيبطل حقي من الدية وهو لا قصاص فيه ولا مال له قيل : إنما جعل له الخيار في القصاص أو المال فإن لم يختر أحدهما لم نجبره على ما أردت من المال وأبيعه يديه بدل فمتى ما كان له مال فخذه وإلا فهو حق أفلس لك به ، ولو قال قد عفوت القصاص والمال لم يجبر على أخذ المال ولا القصاص إنما يكون له إن شاء لا أنه يجبر عليه وإن كان عليه حق لغيره ولكنه ينبغي للحاكم إذا قطع يد رجل فقطعت يده أن يشهد للمقطوعة يده [ ص: 74 ] الأولى أنه قد وقف له مال القاطع المقطوع آخرا فإذا أشهد بذلك فللمقطوع آخرا القصاص إلا أن يشاء تركه فإن شاء تركه وترك المال نظر فإن كان له مال يؤدي منه دية يد الذي قطع أخذت من ماله دية يده وجاز عفوه وإلا لم يجز عفوه المال ، وماله موقوف لغرمائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية