الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما لا قطع فيه

                                                                                                          وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر والكثر الجمار فقال الرجل فإن مروان بن الحكم أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال أخذت غلاما لهذا فقال نعم فقال فما أنت صانع به قال أردت قطع يده فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر فأمر مروان بالعبد فأرسل [ ص: 258 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 258 ] 11 - باب ما لا قطع فيه

                                                                                                          1583 1525 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان ) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أن عبدا ) أسود لواسع ابن حبان عم محمد واسم العبد فيل كما في التمهيد ، وهو بلفظ الحيوان المذكور في القرآن ( سرق وديا ) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وشد التحتية أي نخلا صغارا قاله أبو عبيد وغيره ، وفي بعض طرق الحديث سرق نخلا صغارا ( من حائط رجل ) لم يسم ، وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلاما لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له ( فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده ) في حائط جاره ( فاستعدى على العبد مروان بن الحكم ) أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية ( فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد ) واسع بن حبان ( إلى رافع بن خديج ) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وجيم ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي ، أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين ، وقيل قبل ذلك ( فسأله عن ذلك فأخبره ) رافع ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع ) جائز ( في ثمر ) بفتح المثلثة والميم معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز ( ولو في كثر ) بفتح الكاف والمثلثة ( والكثر الجمار ) بجيم مضمومة وميم ثقيلة أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارا وكثرا لأنه أصل الكوافير ، وحيث تجتمع وتكثر كما في الفائق ، وهذا التفسير مدرج ، ففي رواية شعبة قلت ليحيى بن سعيد : ما الكثر ؟ فقال : الجمار ، وبه تعقب تفسير ابن الأثير بالتمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار ، وهو القصد من الودي الذي هو النخل الصغار فلا قطع على سارقه فالدليل طبق [ ص: 259 ] المدلول كما هو واضح ( فقال الرجل : فإن مروان بن الحكم ) بفتحتين ( أخذ غلاما ) عبدا ( لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال : أخذت غلاما لهذا ) الرجل ( قال نعم ) أخذته ( قال : فما أنت صانع ) فاعل ( به ؟ ) وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى حيث لم يقل له إن هذا قد أخذت له غلاما وأردت قطعه ( قال : أردت قطع يده ) لأنه سرق ( فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع في ثمر ولا كثر ) زاد في رواية للترمذي وغيره : إلا ما آواه الجرين .

                                                                                                          ( فأمر مروان بالعبد فأرسل ) أطلق من السجن بعد أن ضربه .

                                                                                                          ففي رواية شعبة : فضربه وحبسه .

                                                                                                          وفي رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد : فأرسله مروان فباعه أو نفاه أي باعه سيده ، وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من طرق عن مالك وغيره كلها عن يحيى بن سعيد .

                                                                                                          قال ابن العربي : فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه .

                                                                                                          وقال الطحاوي : وتلقت الأئمة متنه بالقبول .

                                                                                                          وقال أبو عمر : هذا حديث منقطع لأن محمدا لم يسمعه من رافع ، وتابع مالكا عليه سفيان الثوري والحمادان وأبو عوانة ويزيد بن هارون وغيرهم ، ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع ، وكذا رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به ، فإن صح هذا فهو متصل مسند صحيح لكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل فقيل عن محمد من رجل من قومه ، وقيل عنه عن عمة له ، وقيل عنه عن أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه ، وقد خولف عن حماد بن دليل أيضا ، فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك ، وأطال الكلام في ذلك في التمهيد ، والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح كما قد يشير إليه قول ابن العربي فإن كان فيه كلام لا يلتفت إليه ، وأما المتن فصحيح كما أشار إليه الطحاوي وأبو عمر في آخر كلامه ، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود ، ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه ، وإسناد كل منهما صحيح .




                                                                                                          الخدمات العلمية