الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الحال التي إذا قتل بها الرجل أقيد منه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : من جنى على رجل يسوق يرى من حضره أنه في السياق وأنه يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات مكانه فقتله ففيه القود ; لأنه قد يعيش بعدما يرى أنه يموت وإذا رأى من حضره أنه قد مات فشهدوا على ذلك ، ثم ذبحه أو ضربه عوقب ولا عقل ولا قود وإن أتى عليه رجل قد جرحه رجل جراحات كثرت أو قلت يرى أنه يعاش من مثلها أو لا يرى ذلك إلا أنها ليست مجهزة عليه فذبحه مكانه أو قطعه باثنين أو شدخ رأسه مكانه أو تحامل عليه بسكين فمات مكانه فهو قاتل عليه القود وعقل النفس تاما إن شاء الورثة وعلى من جرحه قبله القصاص في الجراح أو الأرش وهو بريء من القتل إلا أن يكون قد قطع حلقومه ومريئه فإن من قطع حلقومه ومريئه لم يعش ، وإن رأى أن فيه بقية روح فهو كما يبقى من بقايا الروح في الذبيحة ، وكذلك إن ضرب عنقه فقطع الحلقوم والمريء ، وكذلك إن قطعه باثنين حتى يتعلق بجلدة أو قطع حشوته فأبانها أو أخرجها من جوفه فقطعها عوقب في هذه الأحوال ولا عقل ولا قود والقاتل الذي ناله بالجراح قبله لا يمنعه ما صنع هذا به من القود إن كان قودا أو العقل وإذا أتى عليه قد قطع حلقومه دون مريئه أو مريئه دون حلقومه سئل أهل العلم به فإن قالوا : قد يعيش مثل هذا بدواء أو غير دواء نصف يوم أو ثلثه أو أكثر فهذا قاتل وبرئ الأول الجارح من القتل ، وإن قالوا ليس يعيش مثل هذا إنما فيه بقية روح إلا ساعة أو أقل من ساعة حتى يطغى فالقاتل الأول وهذا بريء من القتل ، وهكذا إذا أجافه فخرق أمعاءه ; لأنه قد يعيش بعد خرق المعى ما لم يقطع المعى فيخرجه من جوفه قد خرق معى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من موضعين وعاش ثلاثا ، ولو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرئ الذي جرحه من القتل في الحكم ومتى جعلت الآخر قاتلا فالجارح الأول بريء من القتل وعليه الجراح خطأ كانت أو عمدا فالخطأ على عاقلته والعمد في ماله إلا أن يشاءوا أن يقتصوا منه إن كانت مما فيه القصاص ومتى جعلت الأول القاتل فلا شيء على الآخر إلا العقوبة والنفس على الأول . وسواء في هذا عمد الآخر وخطؤه إن كان عمدا وجعلته قاتلا فعليه القصاص وإن كان خطأ وجعلته قاتلا فعلى عاقلته الدية ، وإذا جرح رجلان رجلا جراحة لم يعد بها في القتلى كما وصفت من الذبح وقطع الحشوة وما في معناه فضربه رجل ضربة فقتله فإن كانت ليست بإجهاز عليه فمات منها مكانه قبل يرفعها فهو قاتله دون الجارحين الأولين وإن عاش بعد هذا مدة قصيرة أو طويلة فهو شريك في قتله للذين جرحاه أولا ولا يكون منفردا بالقتل إلا أن يكون ما ناله به إجهازا عليه بذبح أو قطع حشوة أو ما في معناه أو بضربة يموت منها مكانه ولا يعيش طرفه بعدها ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا جرح رجل جراحات لم يبرأ منها ، ثم جرحه آخر بعدها فمات فقال أولياء القتيل مات مكانه من جراح الآخر دون جراح الأولين وأنكر القاتل فالقول قوله مع يمينه وعلى ولاة الدم الأول البينة فإن لم يأتوا بها فهو شريك في النفس لهم قتله بالشرك فيها ، وليس لهم قتل اللذين [ ص: 75 ] جرحاه قبل بإبرائهموه أن يكون مات إلا من جناية الآخر مكانه دون جنايتهم ولهم عليه القود في الجراح أو أرشها إن شاءوه وإذا صدقهم الضاربون الأولون أنه مات من جناية الآخر دون جنايتهم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية