الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب في سبب نزولها أربعة أقوال . أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله فقال رجلان منهم: على أي دين أنت؟ فقال: على ملة إبراهيم . قالا: فإنه كان يهوديا . قال: فهلموا إلى التوراة ، فأبيا عليه ، فنزلت هذه الآية . رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . والثاني: أن رجلا من اليهود ، وامرأة زنيا ، فكرهوا رجمهما لشرفهما ، فرفعوا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يكون عنده رخصة ، فحكم عليها بالرجم ، فقالوا: جرت علينا يا محمد ، ليس علينا الرجم . فقال: بيني وبينكم التوراة ، فجاء ابن صوريا ، فقرأ من التوراة ، فلما أتى على آية الرجم ، وضع كفه عليها ، وقرأ ما بعدها ، فقال ابن سلام: قد جاوزها ، ثم قام ، فقرأها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين ، فرجما ، فغضب اليهود . فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام ، فقال نعمان بن أبي [ ص: 367 ] أوفى: هلم نحاكمك إلى الأحبار . فقال: بل إلى كتاب الله ، فقال: بل إلى الأحبار ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي . والرابع: أنها نزلت في جماعة من اليهود ، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا: نحن أحق بالهدى منك ، وما أرسل الله نبيا إلا من بني إسرائيل . قال: فأخرجوا التوراة ، فإني مكتوب فيها أني نبي ، فأبوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل بن سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما التفسير ، فالنصيب الذي أوتوه: العلم الذي علموه من التوراة . وفي الكتاب الذي دعوا إليه قولان . أحدهما: أنه التوراة ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس ، وهو قول الأكثرين . والثاني: أنه القرآن ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، وقتادة . وفي الذي أريد أن يحكم الكتاب بينهم فيه أربعة أقوال . أحدها: ملة إبراهيم . والثاني: حد الزنا . رويا عن ابن عباس . والثالث: صحة دين الإسلام ، قاله السدي . والرابع: صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . فإن قيل: التولي هو الإعراض ، فما فائدة تكريره؟ فالجواب من أربعة أوجه . أحدها: التأكيد . والثاني: أن يكون المعنى: يتولون عن الداعي ، ويعرضون عما دعا إليه . والثالث: يتولون بأبدانهم ، ويعرضون عن الحق بقلوبهم . والرابع: أن يكون الذين تولوا علماءهم ، والذين أعرضوا أتباعهم ، قاله ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية