الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب في سدل العمامة بين الكتفين

                                                                                                          1736 حدثنا هارون بن إسحق الهمداني حدثنا يحيى بن محمد المدني عن عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه قال نافع وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه قال عبيد الله ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وفي الباب عن علي ولا يصح حديث علي في هذا من قبل إسناده

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في سدل العمامة بين الكتفين ) أي إرسالها وإرخائها بينهما ، ولم يقع هذا الباب في بعض النسخ .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا يحيى بن محمد المدني ) قال في التقريب : يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران المدني مولى بني نوفل ، يقال له الجاري بجيم وراء خفيفة ، صدوق يخطئ من كبار العاشرة .

                                                                                                          قوله : ( إذا اعتم ) بتشديد الميم أي لف العمامة على رأسه ( سدل ) أي أرسل وأرخى ( عمامته ) أي طرفها الذي يسمى العلامة والعذبة ( بين كتفيه ) بالتثنية ، والحديث يدل على استحباب إرخاء طرفها بين الكتفين . وقد ورد في إرخاء العذبة أحاديث على أنواع : فمنها ما يدل على إرخائها بين الكتفين كحديث الباب وحديث عمرو بن حريث رضي الله عنه الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وتقدم لفظه هناك ، وحديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه ، أخرجه أبو داود على ما في عمدة القاري ، وحديث عبد الأعلى بن عدي أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة من رواية إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن بشر ، عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد الأعلى بن عدي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا علي بن أبي طالب يوم غدير خم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال : " هكذا فاعتموا " الحديث . وحديث عبد الله بن ياسر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه اليسرى ، أخرجه الطبراني وحسنه السيوطي ، وحديث جابر قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه ، أخرجه ابن عدي وقال لا أعلم يرويه عن أبي الزبير غير [ ص: 337 ] العزرمي وعنه حاتم بن إسماعيل . وحديث أبي موسى أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى ذؤابته من ورائه ، أخرجه الطبراني .

                                                                                                          ومنها ما يدل على إرخائها بين يدي المعتم ومن خلفه كحديث عبد الرحمن بن عوف عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدي ومن خلفي ، أخرجه أبو داود وفي إسناده شيخ مجهول . وحديث عائشة أخرجه ابن أبي شيبة عن عروة عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن وأفضل له من بين يديه مثل هذه ، وفي رواية عن نافع عن ابن عمر قال : عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عوف بعمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع وقال : هكذا فاعتم وحديث ثوبان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى ، عمامته بين يديه ومن خلفه ، أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه الحجاج بن رشد وهو ضعيف .

                                                                                                          ومنها ما يدل على إرخائها من الجانب الأيمن كحديث أبي أمامة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من جانبه الأيمن نحو الأذن ، أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده جميع بن ثوب وهو متروك .

                                                                                                          وقد استدل على جواز ترك العذبة ابن القيم في الهدي بحديث جابر عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء ، بدون ذكر الذؤابة ، قال : فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه انتهى وفيه نظر ، إذ لا يلزم من عدم ذكر الذؤابة في هذا الحديث عدمها في الواقع حتى يستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرخي الذؤابة دائما .

                                                                                                          وأقوى أحاديث هذه الأنواع كلها وأصحها هو حديث عمرو بن حريث في إرخاء العذبة بين الكتفين . قال العيني في العمدة : قال شيخنا زين الدين : ما المراد بسدل عمامته بين كتفيه ؟ هل المراد سدل الطرف الأسفل حتى تكون عذبة ؟ أو المراد سدل الطرف الأعلى بحيث يغرزها ويرسل منها شيئا خلفه ؟ يحتمل كلا من الأمرين ولم أر التصريح يكون المرخي من العمامة عذبة إلا في حديث عبد الأعلى بن عدي وفيه : وأرخى عذبة العمامة من خلفه وتقدم ، وقال الشيخ مع أن العذبة الطرف كعذبة السوط وكعذبة اللسان أي طرفه ، فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة وإن كان مخالفا للاصطلاح العرفي الآن . وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن الذي كان يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى ، رواه أبو الشيخ وغيره من رواية أبي عبد السلام [ ص: 338 ] عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قلت لابن عمر : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم ؟ قال : كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي له ذؤابة بين كتفيه ، انتهى .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قد أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال : " هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن " . قال السيوطي : وإسناده حسن ، وأخرج ابن أبي شيبة أن عبد الله بن الزبير كان يعتم بعمامة سوداء قد أرخاها من خلفه نحوا من ذراع . وروى سعد بن سعيد عن رشدين قاله : رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو أقل من شبر . قال في السبل : من آداب العمامة تقصير العذبة فلا تطول طولا فاحشا . وقال النووي في شرح المهذب : إرسال العذبة إرسالا فاحشا كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ، ويكره لغيره ، انتهى .

                                                                                                          فائدة ثانية :

                                                                                                          قال السيوطي في الحاوي في الفتاوى : وأما مقدار العمامة الشريفة فلم يثبت في حديث ، وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن سلام بن عبد الله بن سلام ، قال : سألت ابن عمر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم ؟ قال : كان يدير العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه ، وهذا يدل على أنها عدة أذرع . والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير انتهى . قال الشوكاني : ولا أدري ما هذا الظاهر الذي زعمه ، فإن كان الظهور من هذا الحديث الذي ساقه باعتبار ما فيه من ذكر الإدارة والغرز إرسال الذؤابة فهذه الأوصاف تحصل في عمامة دون ثلاثة أذرع ، وإن كان من غيره فما هو بعد إقراره بعدم ثبوت مقدارها في حديث انتهى . وفي المرقاة قال الجزري في تصحيح المصابيح : قد تتبعت الكتب وتطلبت من السير والتواريخ لأقف على قدر عمامة النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف على شيء ، حتى أخبرني من أثق به أنه وقف على شيء من كلام النووي ذكر فيه : أنه كان له صلى الله عليه وسلم عمامة قصيرة وعمامة طويلة ، وأن القصيرة كانت سبعة أذرع ، والطويلة اثني عشر ذراعا ذكره القاري : وقال وظاهر كلام المدخل أن عمامته كانت سبعة أذرع مطلقا من غير تقييد بالقصير والطويل انتهى .

                                                                                                          قلت : لا بد لمن يدعي أن مقدار عمامته صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا من الذراع أن يثبته بدليل صحيح ، وأما الادعاء المحض فليس بشيء .

                                                                                                          فائدة ثالثة :

                                                                                                          قال في السبل : من آداب العمامة إرسال العذبة بين الكتفين ويجوز تركها بالأصالة . وقال النووي في شرح المهذب : يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء انتهى .

                                                                                                          [ ص: 339 ] فائدة أخرى :

                                                                                                          لم أجد في فضل العمامة حديثا مرفوعا صحيحا ، وكل ما جاء فيه فهي إما ضعيفة أو موضوعة .

                                                                                                          فمنها ما رواه القضاعي والديلمي في مسند الفردوس عن علي مرفوعا : العمائم تيجان العرب ، والاحتباء حيطانها ، وجلوس المؤمن في المسجد رباطه . قال في المقاصد : ضعيف ، وأخرج البيهقي معناه من قول الزهري .

                                                                                                          ومنها حديث : عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم . أخرجه ابن عدي والبيهقي في الخلاصة وهو موضوع . وقال في اللآلئ : لا يصح ، وقال : له طريق آخر عن ابن عباس ، أخرجه الحاكم في المستدرك .

                                                                                                          ومنها ما رواه ابن عساكر والديلمي عن ابن عمر مرفوعا : صلاة تطوع أو فريضة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بلا عمامة ، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بلا عمامة . قال المناوي : قال ابن حجر : موضوع . وكذلك قال الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة . وفي الباب روايات أخرى ذكرها الشوكاني وغيره في موضوعاتهم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من الصحة والضعف ، والظاهر أنه حسن ، ويعضده حديث عمرو بن حريث عند مسلم وغيره الذي أشار إليه الترمذي في الباب الذي قبله .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي ) لينظر من أخرجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية