الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5233 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 15] فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنـزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير .

                                                                                                                                                                                                                                      فلذلك فادع أي: فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب، فادع الناس كافة إلى إقامة الدين لمقاومة الباطل ودحره، وهتك وساوسه: واستقم أي: على الدعوة إليه، والصدع به: كما أمرت أي: أوحي إليك. ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنـزل الله من كتاب أي: أي كتاب كان، لا كالذين آمنوا ببعض، وكفروا بعض. وفيه تحقيق للحق، وبيان لاتفاق الكتب في الأصول، وتأليف لقلوب أهل الكتابين، وتعريض بهم. أفاده أبو السعود .

                                                                                                                                                                                                                                      وأمرت لأعدل بينكم أي: لأسوي بينكم في دعوة واحدة، كما قال تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ثم أشار إلى أن ما وراء الأمر المذكور، والتبليغ به من الحساب، فهو إليه تعالى. فقال: الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم أي: لا خصومة ولا محاجة بعد هذا; لأن الحق قد ظهر، ولم يبق للمحاجة حاجة، ولا للمخالفة محل سوى المكابرة. والحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاج. كما ذكره الراغب. وتكون بمعنى الدليل. والمراد هو الأول دون الثاني. وهو ظاهر. الله يجمع بيننا أي: يوم القيامة، فيقضي بالحق فيما اختلفنا: وإليه المصير أي: المعاد والمرجع للجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5234 ] تنبيهان:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: تفسير العدل بما ذكرناه؛ لأنه الذي يقتضيه سياق الكلام لاسيما والسورة مكية، ولم يكن مظهره صلوات الله عليه بها فصل الخصومات والقضاء في الحكومات. نعم من ذهب إلى ذلك فإنما وقف مع عمومها. ومنه قول قتادة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل حتى مات . والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكذاب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: قال ابن كثير : اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات. كل منها منفصلة عن التي قبلها. حكم برأسها. قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي. فإنها أيضا عشرة فصول كهذه. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية