الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع

                                                                                                                                                                                                        1696 حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج في أشهر الحج وحرم الحج فنزلنا سرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه ذوي قوة الهدي فلم تكن لهم عمرة فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضرك أنت من بنات آدم كتب عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك عسى الله أن يرزقكها قالت فكنت حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمن فقال اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما أنتظركما ها هنا فأتينا في جوف الليل فقال فرغتما قلت نعم فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح ثم خرج موجها إلى المدينة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ) أورد فيه حديث عائشة في عمرتها من التنعيم ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن " اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما : الحديث . قال ابن بطال : لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع ، كما فعلت عائشة . انتهى . وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة ، أيضا فإن قياس من [ ص: 717 ] يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك هنا . ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن - إن قلنا إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع - إن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معا .

                                                                                                                                                                                                        قوله في الحديث : ( فنزلنا بسرف ) في رواية أبي ذر ، وأبي الوقت " سرف " بحذف الباء ، وكذا لمسلم من طريق إسحاق بن عيسى بن الطباع ، عن أفلح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لأصحابه من لم يكن معه هدي ) ظاهره أن أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة كان بسرف قبل دخولهم مكة ، والمعروف في غير هذه الرواية أن قوله لهم ذلك بعد دخول مكة ، ويحتمل التعدد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قلت لا أصلي ) كنت بذلك عن الحيض ، وهي من لطيف الكنايات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كتب عليك ) كذا للأكثر على البناء لما لم يسم فاعله ، ولأبي ذر " كتب الله عليك " وكذا لمسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فكوني في حجتك ) في رواية أبي ذر " في حجك " وكذا لمسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب ) في هذا السياق اختصار بينته رواية مسلم بلفظ : حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفت بالبيت فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فدعا عبد الرحمن ) في رواية مسلم " عبد الرحمن بن أبي بكر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اخرج بأختك الحرم ) في رواية الكشميهني " من الحرم " وهي أوضح ، وكذا لمسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتينا في جوف الليل ) في رواية الإسماعيلي " من آخر الليل " وهي أوفق لبقية الروايات ، وظاهرها أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم قبل أبواب أنها قالت : " فلقيته وأنا منهبطة وهو مصعد " أو العكس ، والجمع بينهما واضح كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فارتحل الناس ومن طاف بالبيت ) هو من عطف الخاص على العام لأن " الناس " أعم من الطائفين ، ولعلها أرادت بالناس من لم يطف طواف الوداع ، ويحتمل أن يكون الموصول صفة الناس من باب توسط العاطف بين الصفة والموصوف كقوله تعالى إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض وقد أجاز سيبويه نحو مررت بزيد وصاحبك إذا أراد بالصاحب زيدا المذكور ، وهذا كله بناء على صحة هذا السياق ، والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف ، والصواب : فارتحل الناس ثم طاف بالبيت إلخ ، وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي ، عن أفلح بلفظ " فأذن في أصحابه بالرحيل ، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ، ثم انصرف متوجها إلى المدينة " وفي رواية مسلم " فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج ، فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ، ثم خرج إلى المدينة " وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه بلفظ " فارتحل الناس ، فمر متوجها إلى المدينة " أخرجه في : " باب الحج أشهر معلومات " قال عياض : قوله في رواية القاسم يعني هذه : فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال : فهل فرغت ؟ قلت نعم ، فأذن بالرحيل . وفي رواية الأسود ، عن عائشة يعني التي مضت في : " باب إذا حاضت بعدما أفاضت " : فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة أو أنا [ ص: 718 ] مصعدة وهو منهبط منها . وفي رواية صفية عنها يعني عند مسلم " فأقبلنا حتى أتيناه وهو بالحصبة " وهذا موافق لرواية القاسم ، وهما موافقان لحديث أنس يعني الذي مضى في : " باب طواف الوداع : أنه صلى الله عليه وسلم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به ، قال : وفي حديث الباب من الإشكال قوله : فمر بالبيت فطاف به " بعد أن قال لعائشة " أفرغت ؟ قالت نعم . مع قولها في الرواية الأخرى أنه : توجه لطواف الوداع وهي راجعة إلى المنزل الذي كان به . قال فيحتمل أنه أعاد طواف الوداع لأن منزله كان بالأبطح وهو بأعلى مكة ، وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها ، فكأنه لما توجه طالبا للمدينة اجتاز بالمسجد ليخرج من أسفل مكة فكرر الطواف ليكون آخر عهده بالبيت . انتهى . والقاضي في هذا معذور لأنه لم يشاهد تلك الأماكن ، فظن أن الذي يقصد الخروج إلى المدينة من أسفل مكة يتحتم عليه المرور بالمسجد ، وليس كذلك كما شاهده من عاينه ، بل الراحل من منزله بالأبطح يمر مجتازا من ظاهر مكة إلى حيث مقصده من جهة المدينة ولا يحتاج إلى المرور بالمسجد ولا يدخل إلى البلد أصلا ، قال عياض : وقد وقع في رواية الأصيلي في البخاري : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طاف بالبيت . قال فلم يذكر أنه أعاد الطواف ، فيحتمل أن طوافه هو طواف الوداع وأن لقاءه لعائشة كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها ، قال : فيحتمل أن يكون لقاؤه لها كان في هذا الرحيل ، وأنه المكان الذي عنته في رواية الأسود بقوله لها " موعدك بمكان كذا وكذا " ثم طاف بعد ذلك طواف الوداع ، انتهى . وهذا التأويل حسن ، وهو يقتضي أن الرواية التي عزاها للأصيلي مسكوت عن ذكر طواف الوداع فيها ، وقد بينا أن الصواب فيها " فمر بالبيت فطاف به " بدل قوله " ومن طاف بالبيت " ثم في عزو عياض ذلك إلى الأصيلي وحده نظر ، فإن كل الروايات التي وقفنا عليها في ذلك سواء حتى رواية إبراهيم بن معقل النسفي ، عن البخاري والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( موجها ) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم ، وفي رواية ابن عساكر متوجها بزيادة تاء وبكسر الجيم ، وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قريبا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية