الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 181 ] وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي بعد الإنسان سائر الحيوانات لاختصاصها بالقوى الشريفة . وهي الحواس الظاهرة والباطنة ، والشهوة والغضب ، ثم هذه الحيوانات قسمان : منها ما ينتفع الإنسان بها ، ومنها ما لا يكون كذلك ، والقسم الأول أشرف من الثاني ; لأنه لما كان الإنسان أشرف الحيوانات وجب في كل حيوان يكون انتفاع الإنسان به أكمل . وأكثر أن يكون أكمل وأشرف من غيره ، ثم نقول : والحيوان الذي ينتفع الإنسان به إما أن ينتفع به في ضروريات معيشته مثل الأكل واللبس أو لا يكون كذلك ، وإنما ينتفع به في أمور غير ضرورية مثل الزينة وغيرها ، والقسم الأول أشرف من الثاني ، وهذا القسم هو الأنعام ، فلهذا السبب بدأ الله بذكره في هذه الآية ، فقال : ( والأنعام خلقها لكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الأنعام عبارة عن الأزواج الثمانية وهي : الضأن ، والمعز ، والإبل ، والبقر ، وقد يقال أيضا : الأنعام ثلاثة : الإبل ، والبقر ، والغنم . قال صاحب "الكشاف" : وأكثر ما يقع هذا اللفظ على الإبل . وقوله : ( والأنعام ) منصوبة وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله تعالى : ( والقمر قدرناه منازل ) [يس : 39] ويجوز أن يعطف على الإنسان . أي : خلق الإنسان والأنعام ، قال الواحدي : تم الكلام عند قوله : ( والأنعام خلقها ) ثم ابتدأ وقال : ( لكم فيها دفء ) ويجوز أيضا أن يكون تمام الكلام عند قوله : ( لكم ) ثم ابتدأ وقال : ( فيها دفء ) قال صاحب "النظم" : أحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله : ( خلقها ) والدليل عليه أنه عطف عليه قوله : ( ولكم فيها جمال ) والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية