الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون .

عطف على جملة ( لكم ) الأنعام أي الله الذي يريكم آياته . وهذا انتقال من متعدد الامتنان بما تقدم من قوله الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ، الله الذي جعل لكم الأرض قرارا ، هو الذي خلقكم من تراب ، الله الذي جعل لكم الأنعام ، فإن تلك ذكرت في معرض الامتنان تذكيرا [ ص: 218 ] بالشكر ، فنبه هنا على أن في تلك المنن آيات دالة على ما يجب لله من الوحدانية والقدرة والحكمة .

ولذلك كان قوله ويريكم آياته مفيدا مفاد التذييل لما في قوله ( آياته ) من العموم لأن الجمع المعرف بالإضافة من صيغ العموم ، أي يريكم آياته في النعم المذكورات وغيرها من كل ما يدل على وجوب توحيده وتصديق رسله ونبذ المكابرة فيما يأتونهم به من آيات صدقهم .

وقد جيء في جانب إراءة الآيات بالفعل المضارع لدلالته على التجدد لأن الإنسان كلما انتفع بشيء من النعم علم ما في ذلك من دلالة على وحدانية خالقها وقدرته وحكمته .

والإراءة هنا بصرية ، عبر بها عن العلم بصفات الله إذ كان طريق ذلك العلم هو مشاهدة تلك الأحوال المختلفة فمن تلك المشاهدة ينتقل العقل إلى الاستدلال ، وفيه إشارة إلى أن دلالة وجود الخالق ووحدانيته وقدرته برهانية تنتهي إلى اليقين والضرورة .

وإضافة الآيات إلى ضمير الجلالة لزيادة التنويه بها ، والإرشاد إلى إجادة النظر العقلي في دلائلها ، وأما كونها جائية من لدن الله وكون إضافتها من الإضافة إلى ما هو في معنى الفاعل ، فذلك أمر مستفاد من إسناد فعل يريكم إلى ضميره تعالى .

وفرع على إراءة الآيات استفهام إنكاري عليهم من أجل إنكارهم ما دلت عليه تلك الآيات .

وأي : اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركه فيما يضاف إليه أي ، وهو هنا مستعمل في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات فيفيد أن جميع الآيات صالح للدلالة على وحدانية الله وقدرته لا مساغ لادعاء خفائه وأنهم لا عذر لهم في عدم الاستفادة من إحدى الآيات .

[ ص: 219 ] والأكثر في استعمال أي إذا أضيفت إلى اسم مؤنث اللفظ أن لا تلحقها هاء التأنيث اكتفاء بتأنيث ما تضاف إليه لأن الغالب في الأسماء التي ليست بصفات أن لا يفرق بين مذكرها ومؤنثها بالهاء نحو حمار ، فلا يقال للمؤنث حمارة . وأي : اسم ويزيد بما فيه من الإبهام فلا يفسره إلا المضاف إليه فلذلك قال هنا فأي آيات الله دون : فأية آيات الله ، لأن إلحاق علامة التأنيث بأي في مثل هذا قليل ، ومن غير الغالب تأنيث أي في قول الكميت :


بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارا علي وتحسب



التالي السابق


الخدمات العلمية