الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره . إذا وصل بإقراره ما يسقطه ، مثل أن يقول : له علي ألف لا تلزمني . أو قد قبضه ، أو استوفاه ، أو ألف من ثمن خمر ، أو تكفلت به على أني بالخيار ، أو ألف إلا ألفا أو إلا ستمائة ، لزمه الألف وإن قال : كان له علي ألف وقضيته ، أو قضيت منه خمسمائة . فقال الخرقي : ليس بإقرار ، والقول قوله مع يمينه . وقال أبو الخطاب : يكون مقرا مدعيا للقضاء ، فلا يقبل إلا ببينة . فإن لم يكن له بينة حلف المدعي أنه لم يقبض ولم يبرأ ، واستحق . وقال : هذه رواية واحدة ، ذكرها ابن أبي موسى .

                                                                                                                          [ ص: 326 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 326 ] باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره .

                                                                                                                          ( إذا وصل بإقراره ما يسقطه مثل أن يقول : له علي ألف لا تلزمني . أو قد قبضه ، أو استوفاه ، أو ألف من ثمن خمر ، أو تكفلت به على أني بالخيار ، أو ألف إلا ألفا أو إلا ستمائة ، لزمه الألف ) وفيه مسائل : الأولى : إذا قال : له علي ألف لا تلزمني . لزمه الألف ; لأن مجموع قوله لا يمكن تصحيحه ; لأنه لا سبيل أن يكون له علي ألف لا تلزمه فيلغى هو ، وتلزمه لعدم المعارض . وفيه احتمال بعيد حكاه في " الرعاية " لرفعه ما أقر به . وذكر القاضي : أنه يقبل قوله في المسائل كلها ، إلا في قوله : له علي ألف لا تلزمني ; لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل ، كما لو عزاه إلى سبب صحيح . وحكاه ابن هبيرة عن أحمد ، وذكر أنه احتج في ذلك بمذهب ابن مسعود .

                                                                                                                          وجوابه : أن هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل ، كالصورة التي سلمها . أو يقول : رفع جميع ما أقر به . فلم يقبل كاستثناء الكل . الثانية : إذا قال : له علي ألف قد قضيته ، وكان سريعا أو بعضه . قبل يمينه ، نص عليه ، اختاره عامة شيوخنا .

                                                                                                                          وعنه : يقبل في بعضه ، كاستثناء البعض . وإن قال : قضيت جميعه . لم يقبل إلا ببينة [ ص: 327 ] كاستثناء الكل . وإذا قال : جوابا للدعوى أبرأني منها ، أو برئت إليه منها . فالخلاف . الثالثة : إذا قال : له علي ألف استوفاها . لزمه الألف . الرابعة : إذا قال : له علي ألف من ثمن خمر . لزمه الألف ; لأن ثمن الخمر لا يكون عليه . فذكره له بعد الإقرار رفع للألف بجملته ، فلم يصح ، كالأولى : لا من ثمن خمر ألف . الخامسة : إذا قال : تكفلت بشرط خيار . فتلزمه الألف ، على الأشهر . السادسة : إذا قال : له علي ألف إلا ألفا . لزمه الألف بغير خلاف نعلمه ; لأنه باطل .

                                                                                                                          السابعة : إذا قال : له علي ألف إلا ستمائة . لزمه الألف ; لأنه استثناء الأكثر ولم يرد ذلك في لغة العرب . وما ذكره المؤلف هنا جزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ، وقدمه في " الكافي " . وإن قال : له علي مائة من ثمن مبيع تلف قبل قبضه ، أو لم أقبضه ، أو من مضاربة تلفت ، وشرط علي ضمانها مما يفعله الناس عادة . فوجهان .

                                                                                                                          فرع : قال له : لي عليك ألف . فقال : قضيتك منه مائة . فليس بإقرار . ويحتمل أن يلزمه الباقي . ويجيء على الرواية أن يلزمه ما ادعى قضاءه ، وهو رواية في " المنتخب " . ( وإن قال : كان له علي ألف وقضيته ، أو قضيت منه خمسمائة . فقال الخرقي ) وعامة شيوخنا ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " : ( ليس بإقرار ) نص عليه في رواية ابن منصور . ( والقول قوله مع يمينه ) ذكر ابن هبيرة : أن أحمد احتج في ذلك بقول ابن مسعود ، ولأنه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ ، فوجب قبول قوله ، ولا يلزمه شيء كاستثناء [ ص: 328 ] البعض ، بخلاف المنفصل ; لأنه قد استقر بسكوته عليه .

                                                                                                                          ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره . ( وقال أبو الخطاب : يكون مقرا ) لأن قوله : كان له علي . يقتضي وجوب المقر به عليه ، بدليل ما لو سكت عليه ( مدعيا للقضاء ) لأن قوله : قضيته . دعوى لذلك ( فلا يقبل إلا ببينة ) في قول أكثر العلماء ، كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل ، وكاستثناء الكل . ( وإن لم يكن له بينة حلف المدعي أنه لم يقبض ولم يبرأ ، واستحق ) لأن المدعى عليه ادعى القضاء ، وقوله محتمل . فيجب أن يحلف على ذلك ، وحينئذ فيستحق ; لأن خصمه أقر به . ( وقال : هذه رواية واحدة ، ذكرها ابن أبي موسى ) واختاره أبو الوفاء وغيره ; لسكوته قبل دعواه . وعنه : ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب . وفي " الترغيب " و " الرعاية " : هو أشهر .

                                                                                                                          وقيل : تقبل دعوى الوفاء لا الإبراء . وبنى عليها في " الوسيلة " لو قال لعبده : أخذت منك كذا قبل العتق . قال : بعده .

                                                                                                                          قال في " الفروع " : ويتوجه عليها لو قال : كان له علي ألف . هل تسمع دعواه ؛ فذكر أبو يعلى الصغير : لا تسمع . قال في " الترغيب " : بلا خلاف . تنبيه : إذا قال : كان له علي ألف . وسكت ، لزمه الألف في ظاهر قول أصحابنا .

                                                                                                                          ويتخرج ليس بإقرار ; لأنه لم يذكر عليه شيئا في الحال ، وإنما أخبر بذلك [ ص: 329 ] في زمن ماض . وكذا لو شهدت البينة به ولم يثبت . وجوابه : أنه أقر بالوجوب .

                                                                                                                          والأصل : بقاؤه حتى يوجد ما يرفعه ، بدليل ما لو تنازعا دارا ، فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه ، حكم له بها . إلا أنه هنا إذا عاد فادعى القضاء أو الإبراء ، سمعت دعواه ; لأنه لا تنافي بين الإقرار وبين ما يدعيه ، على إحدى الروايتين . قاله في " الشرح " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية