قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=24578_28723_30772_30781_31045_31050_8435_8416_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء ، الآية: 41. وقال في آية أخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد: إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قل الأنفال لله والرسول وذلك أنه عليه الصلاة والسلام جعل ينفل ما أحرزوه بالقتال لمن شاء، ولم يكن لأحد فيه حق، إلا من جعله الرسول له، وذلك كان في يوم
بدر، وقد روينا
nindex.php?page=hadith&LINKID=674284حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد في قصة السيف الذي استوهبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقال: إنك سألتني هذا السيف، وليس هو لي ولا لك، ثم نزل: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قل الأنفال لله والرسول ، فدعاه فقال: إنك سألتني هذا السيف، وما كان لي ولا لك، وإن الله تعالى جعله لي وجعلته لك .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12045أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687969لما كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين، فأصابوا من الغنائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تبح الغنائم لقوم سود الرؤوس من قبلكم" ، كان النبي إذا غنم هو [ ص: 156 ] وأصحابه جمعوا غنائمهم، فتنزل نار من السماء فتأكلها، فأنزل الله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=68لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا .
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا يقتضي بظاهره أن تكون الغنيمة للغانم فقط، وأن يكونوا مشتركين فيها على سواء، إلا أن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء بين وجوب إخراج الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة، ثم بعده يخلص للقائمين بعد الصفي والسلب والعطايا المتقدمة، ولولا الأخبار المأثورة لكان الفارس كالراجل، والعبد كالحر، والصبي كالبالغ.
واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41غنمتم من شيء : مال الكفار، إذا ظهر به المسلمون على وجه الغلبة، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع: وسمى الشرع الواصل إلينا من الكفار من الأقوال باسمين: أحدهما: الفيء، وهو الذي يصل إلينا من الكفار من غير حرب، كالجزية والخراج الحق. ثم إن الله تعالى كما أضاف الغنيمة إلى الغانمين، أضاف الفيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى . فاقتضى ظاهر الآية، أن يجعل بعد إخراج الخمس أربعة أخماس،
[ ص: 157 ] والفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يختص الغانمون بأربعة أخماس الغنيمة، فإنه تعالى قال: ( إنما غنمتم من شيء ) . وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا . فاقتضى ظاهره أن يكون كله له، خص منه البعض، وبقي الثاني على مقتضى الإضافة، وهذا حسن بين.
ومن جملة الفيء: مال المرتد إذا قتل على الردة. ومال الكافر غنيمة، إن كان وصوله إلينا بقهره وقتله، فإن مات من غير قتال، فوجدنا ماله فهو فيء. وإذا ثبت القول في أربعة أخماس الفيء والغنيمة فنقول: أما الخمس، فإن الذي لا خلاف فيه أن لليتامى والمساكين وابن السبيل حقا باقيا في
nindex.php?page=treesubj&link=8416_8435خمس الغنيمة. واختلف الناس بعد الثلاثة في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7فلله وللرسول ولذي القربى . فأما قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41فأن لله خمسه ، فأكثر العلماء على أنه استفتاح كلام، وأن لله تعالى الدنيا والآخرة.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية أن سهم الله تعالى مصروف في نفقات
الكعبة، والذي ذكره بعيد، فإنا إن أقررنا سهما لله تعالى، أدى ذلك إلى أن يكون الخمس مقسوما على ستة، فعلى هذا يجب أن نقول: فأن لله سدسه، ولأنه ليس بأن يجب صرفه إلى بيت الله تعالى بأولى من صرفه إلى أولياء الله. نعم; قد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41فأن لله خمسه ، يعني: كل ذلك الخمس يصرفه
[ ص: 158 ] فيما شاء، وأراد لا أن له البعض دون البعض، ولا يجوز أن يعتقد من الإطلاق، كون مال الفيء مشتركا بين الله وبين غيره. وأما سهم الرسول; فقد كان له الخمس من خمس الغنيمة، فيصرفه في كفاية أولاده ونسائه، ويدخر من ذلك قوت سنة، وما يفضل يصرفه إلى الكراع والسلاح وغير ذلك من المصالح.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من الغنائم لنفسه شيئا قط إلا الصفي من المغنم، وهو ما كان يتناوله من عبد أو أمة أو فرس. حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، وذكر عنه أن سهمه من الغنيمة كان كسهم رجل من المسلمين وراء ما خص به من الصفي. والظاهر يدل على أن الخمس مشترك بين رسول الله وبينهم، ولا يمكن أن يقال إن الصفي من جملة ذلك، فإن الصفي كان يتناوله من جملة الغنيمة قبل القسمة، فهو حق، سوى هذا الخمس المذكور. ولرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر الوقعة ما لسائر من حضرها من أربعة أخماس الغنيمة. واختلفوا في سهمه، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي: إن طائفة قالت: هو للخليفة بعده. وقالت أخرى: يصرف في الحمل والعدة في سبيل الله. وطائفة قالت: بل زال بموته. ولا يدل الظاهر على أكثر من استحقاقه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدل على مصرف من هذه المصارف بعده. وقد دل الدليل على أن ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم المستقر في حالة حياته، لا يورث عنه، فلأن لا يورث عنه ما يتجدد من الغنيمة، ولا يوجد سبب ملكه أولى.
[ ص: 159 ] ولا دليل على قيام الإمام مقامه بعده، لأنه اختص به لمنصب النبوة، كما اختص بالصفي من المغنم، وأقرب شيء يتخيل فيه صرفه في الكراع والسلاح، بدلالة أنه عليه السلام كان يصرف الفاضل من الخمس في هذا الوجه.
والجواب: أنه كان يصرفه اختيارا لا استحقاقا، ولو ثبت أنه كان يصرفه إلى هذا الوجه استحقاقا، لقرب أن يقال: إن الأولى بهذا السهم هذا الوجه، فعلى هذا الأقرب، أنه يصرف خمس الخمس إلى الباقين، قياسا على الصدقة الواجب صرفها إلى الأصناف، إذا تعذر صنف وجب صرفه إلى الباقين.
فعلى هذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يقسم الخمس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أربعة، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنه قال: إن
لبني هاشم وبني عبد المطلب سهما من الخمس. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم; على اليتامى والمساكين وابن السبيل. وخالفه
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف. وقال قائلون: هو لفقرائهم عوضا عما حرموا من الصدقة. وقال آخرون: هو للفقراء والأغنياء منهم. ثم إن الذين أثبتوا لهم الاستحقاق اختلفوا: فمنهم من قال: يقسم قسمة الغنيمة على التساوي. ومنهم من قال: يقسم كقسمة المواريث، فإنه مال مستحق بالقرابة.
والظاهر تعلق الاستحقاق بالقرابة، إلا أن القرآن ورد بذكر ذي القربى، وقد صار بعض السلف لأجله إلى أنه لجميع
قريش، وثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط من ذلك من انتمى إليه بأقرابه مطلقا، والمراد
[ ص: 160 ] به الخصوص، وليس يتأتى تعليله بالقرابة المطلقة، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب روى
nindex.php?page=hadith&LINKID=670328عن nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم أنه nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمانه فيما قسمه من خمس الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقالا: يا رسول الله، قسمت لإخواننا بني المطلب وقرابتنا وقرابتهم واحدة، فقال: "إنما أرى هاشما والمطلب شيئا واحدا" .
وروى أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670329 "إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام" . فلم يعط لبني أمية ولا لبني نوفل شيئا، وقرابتهم كقرابة بني المطلب، وهذا يدل على التخصيص. فعلى هذا; رأى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة استحقاقهم بالنصرة في حياة رسول الله. وقال آخرون: لا بل لا استحقاق لهم إلا بالفقر، إلا أن ذكر ذوي القربى مع أن الفقر مستقل، كذكر اليتامى، ولا يصرف إلى اليتامى إلا إذا كانوا فقراء، ولا فرق ... ولا معنى لقول من يقول: إن اليتم عبارة عن الحاجة، فإن اليتم عبارة عن الحاجة إلى الكافل لا إلى المال، وليس في اسم اليتم ما يدل على عدم المال، ولعلهم يقولون: إنما ذكر ذوي القربى مع أن الفقر شرط حتى لا يتوهم متوهم، أنهم كما فارقوا الفقراء من المسلمين في أن لا تصرف الصدقات إليهم مع الفقر، فكذلك الخمس، فقطع الشرع هذا الاحتمال، وهذا محتمل، ويصرف إلى اليتامى مع أن الفقر شرط، والمقصود من ذكره أن الخمس يقسم على أربعة أسهم عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وعلى ثلاثة عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، ولا بد من الصرف إلى هذه الأجناس.
[ ص: 161 ] والمقصود من ذكرها مع اشتراط الفقر فيها: تعديد جهات الحاجات واستيعابها، فأما الأربعة أخماس، فظاهر القرآن يقتضي أنها لمن غنمه.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41أنما غنمتم : يشتمل الرقاب والعقار، إلا أن الرقاب الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، وفي الديار اختلف العلماء فيها. وليس في كتاب الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=8529تفضيل للفارس على الراجل، بل فيه أنهما على سواء. وفي المأخوذ على جهة التلصص; اتفق العلماء على أنه لا تخميس، وظاهر القرآن يقتضي تخميس كل مغنوم، وذلك يستوي فيه هذا وما سواه.
وظاهر اللفظ أيضا يقتضي التسوية فيه بين الصبي والبالغ، إلا أن الدليل قام على أن الصبي يرضخ له. واعلم أن ظاهر قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء ربما لا يظهر عند الناس في تعارف اللغة أن من استولى على مثله فقد غنمه، وأنه يصرف خمسه إلى كذا وكذا في أن الحرية تسلب عن المسترق، وإنما ظهر ذلك بعرف الشرع، وعرف الشرع دل على أن الغنيمة اسم للمأخوذ من الكفار بطريق القهر، ولا يدل على أخذ أنفسهم من حيث عرف اللغة، وفي الشرع: الإمام على التخيير بين الخلال التي بينها الفقهاء.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=24578_28723_30772_30781_31045_31050_8435_8416_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، الْآيَةَ: 41. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ يَنْفُلُ مَا أَحْرَزُوهُ بِالْقِتَالِ لِمَنْ شَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ، إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ الرَّسُولُ لَهُ، وَذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ، وَقَدْ رَوَيْنَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=674284حَدِيثَ nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدٍ فِي قِصَّةِ السَّيْفِ الَّذِي اسْتَوْهَبَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَالَ: إِنَّكَ سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ، وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَا لَكَ، ثُمَّ نَزَلَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّكَ سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ، وَمَا كَانَ لِي وَلَا لَكَ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ لِي وَجَعَلْتُهُ لَكَ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12045أَبُو صَالِحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687969لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ تُبَحِ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّؤُوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ" ، كَانَ النَّبِيُّ إِذَا غَنِمَ هُوَ [ ص: 156 ] وَأَصْحَابُهُ جَمَعُوا غَنَائِمَهُمْ، فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=68لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا .
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ لِلْغَانِمِ فَقَطْ، وَأَنْ يَكُونُوا مُشْتَرِكِينَ فِيهَا عَلَى سَوَاءٍ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ بَيَّنَ وُجُوبَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْهُ وَصَرْفِهِ إِلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ يَخْلُصُ لِلْقَائِمِينَ بَعْدَ الصَّفِيِّ وَالسَّلَبِ وَالْعَطَايَا الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَوْلَا الْأَخْبَارُ الْمَأْثُورَةُ لَكَانَ الْفَارِسُ كَالرَّاجِلِ، وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ، وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ حَاصِلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ : مَالُ الْكُفَّارِ، إِذَا ظَهَرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ، وَلَا تَقْتَضِي اللُّغَةُ هَذَا التَّخْصِيصَ، وَلَكِنْ عَرَّفَ الشَّرْعُ قَيْدَ اللَّفْظِ بِهَذَا النَّوْعِ: وَسَمَّى الشَّرْعُ الْوَاصِلَ إِلَيْنَا مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْأَقْوَالِ بِاسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْفَيْءُ، وَهُوَ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْنَا مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ، كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ الْحَقِّ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَى الْغَانِمِينَ، أَضَافَ الْفَيْءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى . فَاقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ، أَنْ يَجْعَلَ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ،
[ ص: 157 ] وَالْفَيْءُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَخْتَصُّ الْغَانِمُونَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ( إنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) . وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=69فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا . فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لَهُ، خَصَّ مِنْهُ الْبَعْضَ، وَبَقِيَ الثَّانِي عَلَى مُقْتَضَى الْإِضَافَةِ، وَهَذَا حَسَنٌ بَيِّنٌ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ: مَالُ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ. وَمَالُ الْكَافِرِ غَنِيمَةٌ، إِنْ كَانَ وُصُولُهُ إِلَيْنَا بِقَهْرِهِ وَقَتْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَوَجَدْنَا مَالَهُ فَهُوَ فَيْءٌ. وَإِذَا ثَبَتَ الْقَوْلُ فِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَنَقُولُ: أَمَّا الْخُمُسُ، فَإِنَّ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ حَقًّا بَاقِيًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=8416_8435خُمُسِ الْغَنِيمَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى . فَأَمَّا قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ، فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْتِفْتَاحُ كَلَامٍ، وَأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ سَهْمَ اللَّهِ تَعَالَى مَصْرُوفٌ فِي نَفَقَاتِ
الْكَعْبَةِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ بَعِيدٌ، فَإِنَّا إِنْ أَقْرَرْنَا سَهْمًا لِلَّهِ تَعَالَى، أَدَّى ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ مَقْسُومًا عَلَى سِتَّةٍ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ نَقُولَ: فَأَنَّ لِلَّهِ سُدُسَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَنْ يَجِبَ صَرْفُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. نَعَمْ; قَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ، يَعْنِي: كُلَّ ذَلِكَ الْخُمُسِ يَصْرِفُهُ
[ ص: 158 ] فِيمَا شَاءَ، وَأَرَادَ لَا أَنَّ لَهُ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ مِنَ الْإِطْلَاقِ، كَوْنَ مَالِ الْفَيْءِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا سَهْمُ الرَّسُولِ; فَقَدْ كَانَ لَهُ الْخُمُسُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَيَصْرِفُهُ فِي كِفَايَةِ أَوْلَادِهِ وَنِسَائِهِ، وَيَدَّخِرُ مِنْ ذَلِكَ قُوتُ سَنَةٍ، وَمَا يَفْضُلُ يَصْرِفُهُ إِلَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ مِنَ الْغَنَائِمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا الصَّفِّيَّ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَهُوَ مَا كَانَ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ. حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ ذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّ سَهْمَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ كَانَ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَاءَ مَا خَصَّ بِهِ مِنَ الصَّفِّيِّ. وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الصَّفِّيَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّفِّيَّ كَانَ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَهُوَ حَقٌّ، سِوَى هَذَا الْخُمُسِ الْمَذْكُورِ. وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ مَا لِسَائِرِ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَهْمِهِ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ: إِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: هُوَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ. وَقَالَتْ أُخْرَى: يُصْرَفُ فِي الْحَمْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ زَالَ بِمَوْتِهِ. وَلَا يَدُلُّ الظَّاهِرُ عَلَى أَكْثَرِ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ هَذِهِ الْمَصَارِفِ بَعْدَهُ. وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُلْكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَقِرَّ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ، لَا يُورَثُ عَنْهُ، فَلِأَنْ لَا يُورَثَ عَنْهُ مَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يُوجَدُ سَبَبُ مُلْكِهِ أَوْلَى.
[ ص: 159 ] وَلَا دَلِيلَ عَلَى قِيَامِ الْإِمَامِ مَقَامَهُ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، كَمَا اخْتَصَّ بِالصَّفِّيِّ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ يَتَخَيَّلُ فِيهِ صَرْفُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، بِدَلَالَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَصْرِفُ الْفَاضِلَ مِنَ الْخُمُسِ فِي هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ كَانَ يَصْرِفُهُ اخْتِيَارًا لَا اسْتِحْقَاقًا، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَصْرِفُهُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِحْقَاقًا، لَقَرُبَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَوْلَى بِهَذَا السَّهْمِ هَذَا الْوَجْهُ، فَعَلَى هَذَا الْأَقْرَبِ، أَنَّهُ يُصْرَفُ خُمُسُ الْخُمُسِ إِلَى الْبَاقِينَ، قِيَاسًا عَلَى الصَّدَقَةِ الْوَاجِبِ صَرْفُهَا إِلَى الْأَصْنَافِ، إِذَا تَعَذَّرَ صِنْفٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى الْبَاقِينَ.
فَعَلَى هَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يُقَسَّمُ الْخُمُسُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ
لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَهْمًا مِنَ الْخُمُسِ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ; عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَخَالَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ لِفُقَرَائِهِمْ عِوَضًا عَمَّا حُرِمُوا مِنَ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ. ثُمَّ إِنَّ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لَهُمْ الِاسْتِحْقَاقَ اخْتَلَفُوا: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَسَّمُ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ عَلَى التَّسَاوِي. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَسَّمُ كَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، فَإِنَّهُ مَالٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ.
وَالظَّاهِرُ تَعَلُّقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقَرَابَةِ، إِلَّا أَنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ بِذِكْرِ ذِي الْقُرْبَى، وَقَدْ صَارَ بَعْضُ السَّلَفِ لِأَجْلِهِ إِلَى أَنَّهُ لِجَمِيعِ
قُرَيْشٍ، وَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُعْطِ مِنْ ذَلِكَ مَنِ انْتَمَى إِلَيْهِ بِأَقْرَابِهِ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ
[ ص: 160 ] بِهِ الْخُصُوصُ، وَلَيْسَ يَتَأَتَّى تَعْلِيلُهُ بِالْقَرَابَةِ الْمُطْلَقَةِ، لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ رَوَى
nindex.php?page=hadith&LINKID=670328عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=67جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ جَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمَانِهِ فِيمَا قَسَّمَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَسَّمْتَ لِإِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: "إِنَّمَا أَرَى هَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ شَيْئًا وَاحِدًا" .
وَرَوَى أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670329 "إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ" . فَلَمْ يُعْطِ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، وَقَرَابَتُهُمْ كَقُرَابَةِ بَنِي الْمُطَّلِبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ. فَعَلَى هَذَا; رَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِالنُّصْرَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا بَلْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ إِلَّا بِالْفَقْرِ، إِلَّا أَنَّ ذِكْرَ ذَوِي الْقُرْبَى مَعَ أَنَّ الْفَقْرَ مُسْتَقِلٌّ، كَذِكْرِ الْيَتَامَى، وَلَا يُصْرَفُ إِلَى الْيَتَامَى إِلَّا إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَلَا فَرْقَ ... وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْيُتْمَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الْيُتْمَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْكَافِلِ لَا إِلَى الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي اسْمِ الْيُتْمِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ، وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّمَا ذِكْرُ ذَوِي الْقُرْبَى مَعَ أَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ، أَنَّهُمْ كَمَا فَارَقُوا الْفُقَرَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْ لَا تُصْرَفَ الصَّدَقَاتُ إِلَيْهِمْ مَعَ الْفَقْرِ، فَكَذَلِكَ الْخُمُسُ، فَقَطَعَ الشَّرْعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَيُصْرَفُ إِلَى الْيَتَامَى مَعَ أَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ أَنَّ الْخُمُسَ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَعَلَى ثَلَاثَةٍ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا بُدَّ مِنَ الصَّرْفِ إِلَى هَذِهِ الْأَجْنَاسِ.
[ ص: 161 ] وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِيهَا: تَعْدِيدُ جِهَاتِ الْحَاجَاتِ وَاسْتِيعَابُهَا، فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِمَنْ غَنِمَهُ.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41أَنَّمَا غَنِمْتُمْ : يَشْتَمِلُ الرِّقَابَ وَالْعَقَارَ، إِلَّا أَنَّ الرِّقَابَ الْخِيرَةَ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الدِّيَارِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا. وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=8529تَفْضِيلٌ لِلْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُمَا عَلَى سَوَاءٍ. وَفِي الْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ التَّلَصُّصِ; اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْمِيسَ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي تَخْمِيسَ كُلِّ مَغْنُومٍ، وَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ هَذَا وَمَا سِوَاهُ.
وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَيْضًا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِيهِ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ، إِلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَامَ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ يَرْضَخُ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ رُبَّمَا لَا يَظْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ فِي تَعَارُفِ اللُّغَةِ أَنَّ مَنِ اسْتَوْلَى عَلَى مِثْلِهِ فَقَدْ غَنِمَهُ، وَأَنَّهُ يُصْرَفُ خُمُسَهُ إِلَى كَذَا وَكَذَا فِي أَنَّ الْحُرِّيَّةَ تُسْلَبُ عَنِ الْمُسْتَرَقِّ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِعُرْفِ الشَّرْعِ، وَعُرْفُ الشَّرْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ مِنَ الْكُفَّارِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ حَيْثُ عُرْفِ اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرْعِ: الْإِمَامُ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخِلَالِ الَّتِي بَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ.