الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ربح مال التجارة ضربان : حاصل من غير نضوض المال ، وحاصل مع نضوضه .

                                                                                                                                                                        فالأول : مضموم إلى الأصل في الحول ، كالنتاج . قال إمام الحرمين : حكى الأئمة القطع بذلك . لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول ، ومقتضاه أن يقول : ظهور الربح في أثنائه كنضوضه ، وسيأتي الخلاف في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى . قال الإمام : وهذا لا بد منه ، والمذهب الصحيح : ما سبق . فعلى المذهب : لو اشترى عرضا بمائتي درهم ، فصارت قيمته في أثناء الحول ثلاثمائة ، زكى ثلاثمائة في آخر الحول وإن كان ارتفاع القيمة قبل آخر الحول بلحظة . ولو ارتفعت بعد الحول ، فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني كالنتاج .

                                                                                                                                                                        [ ص: 270 ] الضرب الثاني : الحاصل مع النضوض ، فينظر ، إن صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو أبدل عرضا بعرض ؛ لأنه لم يقع به التقويم ، هذا هو المذهب ، وقيل : هو على الخلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا نض من الجنس .

                                                                                                                                                                        أما إذا صار ناضا من جنسه ، فتارة يكون ذلك في أثناء الحول وتارة بعده ، وعلى التقدير الأول ، قد يمسك الناض إلى أن يتم الحول ، وقد يشتري به سلعة .

                                                                                                                                                                        الحال الأول : أن يمسك الناض إلى تمام الحول ، فإن اشترى عرضا بمائتي درهم ، فباعه في أثناء الحول بثلاثمائة ، وتم الحول وهي في يده - ففيه طريقان . أصحهما وبه قال الأكثرون على قولين أظهرهما : يزكي الأصل بحوله ، ويفرد الربح بحول ، والثاني : يزكي الجميع بحول الأصل . والطريق الثاني : القطع بإفراد الربح . وإذا أفردناه ففي ابتداء حوله وجهان . أصحهما : من حين النضوض ، والثاني : من حين الظهور .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يشتري بها عرضا قبل تمام الحول ، فطريقان . أصحهما أنه كما لو أمسك الناض ، والثاني : القطع بأنه يزكي الجميع بحول الأصل .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : إذا نض بعد تمام الحول ، فإن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول ، زكى الجميع بحول الأصل بلا خلاف ، وإن ظهرت بعد تمامه ، فوجهان . أحدهما : هكذا ، وأصحهما : يستأنف للربح حولا . وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من النقد أو بعرض قيمة نصاب . فأما إذا اشترى بمائة درهم مثلا ، وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم ، وبقيت عنده إلى تمام الحول من حين الشراء ، فإن قلنا بالأصح : إن النصاب لا يشترط إلا في الحول ، بني على القولين في أن الربح من الناض هل يضم إلى الأصل في الحول ؟ إن قلنا : نعم ، فعليه زكاة المائتين ، وإن قلنا : لا ، لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى ، وإن قلنا : النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه ، فابتداء الحول من حين باع ونض ، فإذا تم زكى المائتين .

                                                                                                                                                                        [ ص: 271 ] فرع

                                                                                                                                                                        ملك عشرين دينارا ، فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا ، واشترى بها سلعة أخرى ثم باعها بعد تمام الحول بمائة ، فإن قلنا : الربح من الناض لا يفرد بحول ، فعليه زكاة جميع المال ، وإلا فعليه زكاة خمسين دينارا ؛ لأنه اشترى السلعة الثانية بأربعين ، منها عشرون رأس ماله الذي مضى عليه ستة أشهر ، وعشرون ربح استفاده يوم باع الأول . فإذا مضت ستة أشهر ، فقد تم الحول على نصف السلعة ، فيزكيه بزيادته ، وزيادته ثلاثون دينارا ؛ لأنه ربح على العشرينتين ستين ، وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول . ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية ، فإن حولها حينئذ تم ، ولا يضم إليها ربحها ؛ لأنه صار ناضا قبل تمام حولها ، فإذا مضت ستة أشهر أخرى ، فعليه زكاة ربحها وهو الثلاثون الباقية ، فإن كانت الخمسون التي أخرج زكاتها في الحول الأول باقية عنده فعليه زكاتها أيضا للحول الثاني مع الثلاثين ، هذا الذي ذكرناه هو قول ابن الحداد تفريعا على أن الناض لا يفرد ربحه بحول ، وحكى الشيخ أبو علي وجهين آخرين ضعيفين . أحدهما : يخرج عند البيع الثاني زكاة عشرين . وإذا مضت ستة أشهر ، أخرج زكاة عشرين أخرى ، وهي التي كانت ربحا في الحول الأول . فإذا مضت ستة أشهر ، أخرج زكاة الستين الباقية ؛ لأنها إنما استقرت عند البيع الثاني ، فمنه يبتدئ حولها .

                                                                                                                                                                        والوجه الثاني أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ، ثم إذا مضت ستة أشهر زكى الثمانين الباقية ؛ لأن الستين التي هي الربح حصلت في حول العشرين التي هي الربح الأول ، فضمت إليها في الحول . ولو كانت المسألة بحالها ، لكنه لم يبع السلعة الثانية ، فيزكي عند تمام الحول الأول خمسين كما ذكرنا ، وعند تمام الثاني الخمسين الباقية ؛ [ ص: 272 ] لأن الربح الأخير لم يصر ناضا ، ولو اشترى بمائتين عرضا فباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة ، واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة ، إن لم نفرد الربح بحول أخرج زكاة ست المائة ، وإلا فزكاة أربعمائة ، فإذا مضت ستة أشهر زكى مائة ، فإذا مضت ستة أشهر أخرى ، زكى المائة الباقية ، هذا على قول ابن الحداد . وأما على الوجهين الآخرين فيزكي عند البيع الثاني مائتين ، ثم على الوجه الأول إذا مضت ستة أشهر زكى مائة ، ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى زكى ثلاثمائة . وعلى الوجه الثاني : إذا مضت ستة أشهر من البيع الثاني زكى أربع المائة الباقية .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية