الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت تحريم الغصب كما ذكرنا فالغصب هو منع الإنسان من ملكه في التصرف فيه بغير استحقاق فيكمل الغصب بالمنع ، والتصرف فإن منع ، ولم يتصرف كان تعديا ، ولم يتعلق به ضمان ؛ لأنه تعدى على المالك دون الملك وإن تصرف ، ولم يمنع كان تعديا وتعلق به ضمان ؛ لأنه تعد على الملك دون المالك فإذا جمع بين المنع ، والتصرف تم الغصب ولزم الضمان سواء نقل المغصوب عن محله أم لا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يتم الغصب إلا بالنقل ، والتحويل فإن كان مما لا ينقل كالدور ، والعقار لم يصح غصبه ، ولم يضمن استدلالا بأن غير المنقول مختص بالمنع دون التصرف فصار كحبس الإنسان عن ملكه لا يكون موجبا لغصب ماله ولأن المسروق لا يكون مسروقا إلا بالنقل عن الحرز فكذا المغصوب لا يصير مغصوبا إلا بالنقل وتحريره قياسا أن كل ما لم يصر المال به مسروقا لم يصر به مغصوبا كالمنع ، والإحالة .

                                                                                                                                            ودليلنا ما روي عن عطاء بن يسار عن أبي مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أعظم الغلول عند الله أن يأخذ الرجل من أرض غيره إلى أرض نفسه فأطلق على الأرض حكم الغلول ، والغصب .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لعن الله سارق المنار قيل ، وما سارق المنار ؟ قال أن يأخذ الرجل العلامة من أرض نفسه إلى أرض غيره فجعل ذلك سرقة ومثله ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ملعون من لعن أباه ملعون من لعن أمه ملعون من غير تخوم الأرض ، وفي تخوم الأرض تأويلان : أحدهما : علماؤها . والثاني : حدودها وأعلامها ولأن ما ضمن بالقبض في العقود ضمن بالتصرف في العقود كالمحول ، والمنقول . ولأن ما ضمن به المنقول ضمن به غير المنقول كالعقود ولأنه عدوان فجاز أن يضمن به غير المنقول كالجناية .

                                                                                                                                            فأما الجواب بأن ما لم ينقل مختص بالمنع ، والإحالة كالحبس فهو أن المحبوس عن [ ص: 136 ] ماله حصل التعدي عليه دون ماله فلم يصر المال مغصوبا وخالف حال التصرف فيه مع اشتهار القول عرفا أن فلانا غصب دارا ، أو أرضا . وأما الجواب عن المسروق فهو أن القطع فيها معتبر بهتك الحرز وإخراج المال عنه حتى لو نقل غير محرز لم يكن سارقا يقطع وخالف الغصب المعتبر بالتصرف في المال ألا ترى أنه لا يقال سرق دارا ويقال غصب دارا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية