الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3930 ) فصل : وإذا اختلف رب الدابة وراكبها ، فقال الراكب : هي عارية . وقال المالك : بل اكتريتها . فإن كانت الدابة باقية لم تنقص ، لم يخل من أن يكون الاختلاف عقيب العقد ، أو بعد مضي مدة لمثلها أجر ، فإن كان عقيب العقد ، فالقول قول الراكب ; لأن الأصل عدم عقد الإجارة ، وبراءة ذمة الراكب منها ، فيحلف ، ويرد الدابة إلى مالكها ; لأنها عارية .

                                                                                                                                            وكذلك إن ادعى المالك أنها عارية . وقال الراكب : بل اكتريتها ، فالقول قول المالك مع يمينه ; لما ذكرنا . وإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لمثلها أجر ، فادعى المالك الإجارة ، فالقول قوله مع يمينه . وحكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي : القول قول الراكب . وهو منصوص الشافعي لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب ، وادعى المالك عوضا لها ، والأصل عدم وجوبه . وبراءة ذمة الراكب منه ، فكان القول قوله .

                                                                                                                                            ولنا ، أنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب ، فكان القول [ ص: 137 ] قول المالك ، كما لو اختلفا في عين ، فقال المالك : بعتكها . وقال الآخر : وهبتنيها . ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان ، في الملك والعقد عليها ، ولو اختلفا في الأعيان ، كان القول قول المالك ، كذا هاهنا . وما ذكروه يبطل بهذه المسألة . ولأنهما اتفقا على أن المنافع لا تنتقل إلى الراكب إلا بنقل المالك لها ، فيكون القول قوله في كيفية الانتقال ، كالأعيان ، فيحلف المالك ، ويستحق الأجر .

                                                                                                                                            وفي قدره وجهان ; أحدهما : أجر المثل ; لأنهما لو اتفقا على وجوبه ، واختلفا في قدره ، وجب أجر المثل ، فمع الاختلاف في أصله أولى . والثاني : المسمى ; لأنه وجب بقول المالك ويمينه ، فوجب ما حلف عليه ، كالأصل . وإن كان اختلافهما في أثناء المدة ، فالقول قول الراكب فيما مضى منها ، والقول قول المستعير فيما بقي ; لأن ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا عقيب العقد . وإن ادعى المالك في هذه الصورة أنها عارية . وادعى الراكب أنها بأجر ، فالراكب يدعي استحقاق المنافع ، ويعترف بالأجر للمالك ، والمالك ينكر ذلك كله ، فالقول قوله مع يمينه ، فيحلف ، ويأخذ بهيمته .

                                                                                                                                            وإن اختلفا في ذلك بعد تلف البهيمة قبل مضي مدة لمثلها أجر ، فالقول قول المالك ، سواء ادعى الإجارة أو الإعارة ; لأنه إن ادعى الإجارة ، فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها ، فيقبل إقراره على نفسه ، وإن ادعى الإعارة ، فهو يدعي قيمتها ، فالقول قوله ; لأنهما اختلفا في صفة القبض ، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمان ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { على اليد ما أخذت حتى تؤديه } . فإذا حلف المالك ، استحق القيمة ، والقول في قدرها قول الراكب مع يمينه ; لأنه ينكر الزيادة المختلف فيها ، والأصل عدمها .

                                                                                                                                            وإن اختلفا في ذلك بعد مضي مدة لمثلها أجر ، وتلف البهيمة ، وكان الأجر بقدر قيمتها ، أو كان ما يدعيه المالك منهما أقل مما يعترف به الراكب ، فالقول قول المالك بغير يمين ، سواء ادعى الإجارة أو الإعارة ، إذ لا فائدة في اليمين على شيء يعترف له به . ويحتمل أن لا يأخذه إلا بيمين ; لأنه يدعي شيئا لا يصدق فيه ، ويعترف له الراكب بما لا يدعيه ، فيحلف على ما يدعيه .

                                                                                                                                            وإن كان ما يدعيه المالك أكثر ، مثل إن كانت قيمة البهيمة أكثر من أجرها ، فادعى المالك أنها عارية ، لتجب له القيمة ، وأنكر استحقاق الأجرة ، وادعى الراكب أنها مكتراة ، أو كان الكراء أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ، ليجب له الكراء ، وادعى الراكب أنها عارية ، فالقول قول المالك في الصورتين ; لما قدمنا ، فإذا حلف ، استحق ما حلف عليه . ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية