الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب العاشر في بعض فضائل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها -

                                                                                                                                                                                                                                وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                  الأول - في اسمها ونسبها .

                                                                                                                                                                                                                                كان اسمها برة ، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة ، وهي خالة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - وروى ابن أبي خيثمة بسند صحيح عن مجاهد - رحمه الله تعالى قال - : كان اسم ميمونة برة ، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة . وتقدم نسب أبيها ، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث حماطة بن جرش وأخواتها : أم الفضل لبابة الكبرى زوج العباس - رضي الله تعالى عنهم - ، ولبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد ، وعصمة بنت الحارث وكانت تحت أبي بن خلف ، فولدت له أبا أبي ، وعزة بنت الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلالي ، فهؤلاء إخوتها لأبيها وأمها ، وإخوتها (لأمها ) أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر - رضي الله تعالى عنهما - فولدت له عبد الله ، ومحمدا وعوفا ثم مات ، فخلف عليها أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - فولدت له محمدا ثم مات فخلف عليها علي بن أبي طالب ، فولدت له يحيى رضي الله تعالى عنه ، وسلمة بنت عميس كانت تحت حمزة بن عبد المطلب ، فولدت له أمة الله بنت حمزة ، ثم خلف عليها شداد بن أسامة بن الهاد الليثي ، فولدت له عبد الله ، وعبد الرحمن ، وسلافة بنت عميس كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمي ، وكان يقال : أكرم عجوز في الأرض (أمها ) هند بنت عوف أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق ، وحمزة ، والعباس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلي ابنا أبي طالب ، وشداد بن الهاد .

                                                                                                                                                                                                                                الثاني : في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها .

                                                                                                                                                                                                                                روى ابن أبي خيثمة عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال : كانت ميمونة قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي رهم بضم الراء ، وسكون الهاء ، ابن عبد العزى القرشي القامري من بني مالك بن حنبل ، فوهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : كانت عند غيره .

                                                                                                                                                                                                                                وروي أيضا عن قتادة قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اعتمر بمكة ميمونة بنت الحارث وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها نزلت [ ص: 208 ] وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين [الأحزاب 50 ] ، ثم سافرت معه إلى المدينة ، وكانت قبله عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان .

                                                                                                                                                                                                                                وروي أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر ، توجه إلى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية ، وكانت أختها لأمها أسماء بنت عميس عند جعفر ، فأجابت جعفرا إلى تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم وجعل أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فأنكحها العباس النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم في عمرة القضية سنة ثمان فلما رجع بنى بها بسرف ، وكانت قبله عند أبي رهم بن عبد العزى بن عامر بن لؤي ، ويقال : عند سخبرة بن أبي رهم .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد ، والنسائي عن ابن عباس - (رضي الله تعالى عنه ) - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب ميمونة بنت الحارث فجعلت أمرها إلى العباس ، فزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة عنه قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحية بن جزء ورجلين آخرين يخطبها وهو بمكة ، فردت أمرها إلى أختها أم الفضل فردت أم الفضل أمرها إلى العباس ، فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                وروي أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بنت الحارث في عمرة القضاء وأقام بمكة ، وأقام ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى وأسلم بعد ذلك في نفر من قريش في اليوم الثالث ، فقالوا له : انقضى أجلك ، فاخرج عنا ، فقال : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فحضرتموه ، فقالوا : لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا ، فخرج [ . . . ] ميمونة بنت الحارث حتى أعرس بها بسرف .

                                                                                                                                                                                                                                وروى [ . . . ] عن ابن عقبة عن ابن شهاب - رحمه الله تعالى - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام القابل إلى المدينة معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية ، فخطبها عليه ، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب . وكانت [ . . . ] .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت : تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان بسرف .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني برجال ثقات عن الزهري - رحمه الله تعالى - أن ميمونة بنت الحارث هي التي وهبت نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الستة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج [ ص: 209 ] ميمونة وهو محرم ، وفي رواية عند البخاري : تزوج ميمونة في عمرة القضاء .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد عنه قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الترمذي وحسنه عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال وأنا كنت الرسول بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                وروى مسلم عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالمدينة ، وهو حلال .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى - رحمه الله تعالى - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة سنة خمس ، قال ابن سعد : هي آخر امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني ممن دخل بها .

                                                                                                                                                                                                                                الثالث : في وفاتها .

                                                                                                                                                                                                                                ماتت - رضي الله تعالى عنها - بسرف موضع - بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفنت في موضع بيتها التي ضرب لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين البناء بها وذلك سنة إحدى وستين .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني في - الأوسط - برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بسرف وبنى بها بسرف ، وماتت بسرف .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني برجال ثقات عن محمد بن إسحاق - رحمهما الله تعالى - قال : ماتت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحرة سنة ثلاث وستين .

                                                                                                                                                                                                                                شرح غريب ما سبق

                                                                                                                                                                                                                                سرف : بفتح السين المهملة وكسر [موضع على ستة أميال من مكة من طريق مرو ، وقيل : سبعة وتسعة واثنا عشر ] .

                                                                                                                                                                                                                                [الحرة : يوم انتهب فيه المدينة عسكر الشام أيام يزيد بن معاوية وكان ذلك في حرة (واقم ) ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 210 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية