الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 367 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن وجبت عليه بنت مخاض ، فإن كانت في ماله لزمه إخراجها ، وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل منه ولا يرد معه شيء ، لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه " فمن لم تكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء " ; ولأن في بنت مخاض فضيلة بالأنوثة وفي ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا ، وإن لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشتري بنت مخاض ، ويخرج ; لأنه أصل فرضه ، وله أن يشتري ابن لبون ، ويخرج ; لأنه ليس في ملكه بنت مخاض ، وإن كانت إبله مهازيل ، وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه إخراجها ، فإن أراد إخراج ابن لبون ، فالمنصوص أنه يجوز ; لأنه لا يلزمه إخراج ما عنده ، فكأن وجوده كعدمه كما لو كانت إبله سمانا ، وعنده بنت مخاض مهزولة . ومن أصحابنا من قال : لا يجوز ; لأن عنده بنت مخاض تجزئ . ومن وجب عليه بنت لبون وليست عنده ، وعنده حق لم يؤخذ منه ; لأن بنت اللبون تساوي الحق في ورود الماء والشجر ، وتفضل عليه بالأنوثية ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : حديث أنس صحيح سبق بيانه في أول الباب ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) : قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب : إذا وجب عليه بنت مخاض فإن كانت عنده من غير نفاسة ولا عيب لم يجز العدول إلى ابن لبون بلا خلاف ، وإن لم تكن عنده ، وعنده ابن لبون ، فأراد دفعه عنها وجب قبوله ولا يكون معه شيء لا من المالك ولا من الساعي ، وهذا لا خلاف فيه لحديث أنس . قال أصحابنا : وسواء كانت قيمة ابن لبون كقيمة بنت مخاض أو أقل منها ، وسواء قدر على تحصيله أم لا لعموم الحديث .



                                      ( الثانية ) : إذا وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فوجهان : ( أصحهما ) : له أن يشتري أيهما شاء ويجزئه لعموم الحديث ، وبهذا الوجه قطع المصنف وجمهور الأصحاب ( والثاني ) : حكاه جماعات من الخراسانيين عن صاحب التقريب وغيره أنه يتعين عليه شراء بنت مخاض ، وهو مذهب مالك وأحمد ; لأنهما لو استويا في الوجود لم يجز ابن لبون ، فكذا إذا عدما وتمكن من شرائهما .



                                      ( الثالثة ) : إذا كانت عنده بنت مخاض معيبة ، فهي كالمعدومة ، فيجزئه ابن لبون بلا خلاف لعموم الحديث ، وقد صرح المصنف بهذا في قوله : كما لو [ ص: 368 ] كانت إبله سمانا ، وعنده بنت مخاض مهزولة ولو كانت إبله مهزولة ، وفيها بنت مخاض نفيسة لم يلزمه إخراجها ، فإن تطوع بها فقد أحسن ، وإن أراد إخراج ابن لبون فوجهان : ( أحدهما ) : لا يجوز ; لأنه واجد بنت مخاض مجزئة ( والثاني ) : يجوز ; لأنه لا يلزمه إخراجها ، فهي كالمعدومة ، ورجح المصنف الإجزاء ونقله عن النص ووافقه على ترجيحه البغوي ، ورجح الشيخ أبو حامد وأكثر الأصحاب عدم الإجزاء ونقله القاضي أبو الطيب في المجرد . قال الرافعي : رجحه الشيخ أبو حامد وأكثر شيعته وإمام الحرمين والغزالي .



                                      ( الرابعة ) : لو فقد بنت مخاض ، فأخرج خنثى مشكلا من أولاد اللبون فوجهان : مشهوران في كتب الخراسانيين " أصحهما : " يجزئه ; لأنه ابن لبون أو بنت لبون ، وكلاهما مجزئ ( والثاني ) : لا يجزئه ; لأنه مشوه الخلق كالمعيب . ولو أخرج خنثى من أولاد المخاض لم يجزئه بالاتفاق لاحتمال أنه ذكر ، ولو وجد بنت مخاض ، فأخرج خنثى مشكلا من أولاد لبون لم يجزئه بلا خلاف لاحتمال أنه ذكر ، ولا يجزئه الذكر مع وجود بنت مخاض .



                                      ( الخامسة ) : لو وجبت بنت مخاض ، ففقدها ووجد بنت لبون وابن لبون ، فإن أخرج ابن اللبون جاز وإن أخرج بنت اللبون متبرعا جاز ، وإن أراد إخراجها مع أخذ الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين ; لأنه مستغن عن الجبران ، وإنما يصار إلى الجبران عند الضرورة والوجهان : مشهوران في الطريقتين .



                                      ( السادسة ) : إذا لزمه بنت مخاض ففقدها ، فأخرج حقا أجزأه ، وقد زاد خيرا ; لأنه أولى من ابن لبون هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه لا يجزئ ; لأنه لا مدخل له في الزكوات ولو لزمه بنت لبون ، فأخرج عنها عند عدمها حقا فطريقان : ( المذهب ) : لا يجزئه لما ذكره المصنف وبهذا قطع المصنف والجمهور ، وحكى صاحب الحاوي وجماعة من أصحابنا في إجزائه وجهين ، وقطع الغزالي في الوجيز بالجواز ، وهو شاذ مردود .



                                      [ ص: 369 ] فرع ) : إذا لزمه بنت مخاض ففقدها وفقد ابن لبون أيضا ، ففي كيفية مطالبة الساعي له بالواجب وجهان : حكاهما صاحب الحاوي ( أحدهما ) : يخيره بين مخاض وابن لبون ; لأنه مخير في الإخراج ( والثاني ) : يطالبه ببنت مخاض ; لأنها الأصل فإن دفع ابن لبون قبل منه .



                                      ( فرع ) : لو لزمه بنت مخاض ، فلم تكن في يده في الحال لكن يملك بنت مخاض مغصوبة أو مرهونة ، فله إخراج ابن لبون ; لأنه غير متمكن منها فهي كالمعدومة ذكره الدارمي وغيره ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية