الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني عشر في بعض مناقب أم المؤمنين صفية بنت حيي - رضي الله تعالى عنها -

                                                                                                                                                                                                                                وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                  الأول في نسبها .

                                                                                                                                                                                                                                هي صفية بنت حيي بضم الحاء المهملة ، وكسر وبمثناتين تحتيتين الأخيرة مشددة ابن أخطب بخاء معجمة فطاء مهملة وزن أكبر ابن شعية بفتح الشين والعين المهملتين بعدهما تحتية ابن ثعلبة بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة - ابن النحام بن ينحوم كما في الأنساب أو يتحوم ، وكان أبوها سيد بني النضير ، وهو من سبط لؤي بن يعقوب ثم من ذرية نبي الله ورسوله هارون بن عمران أخي موسى - عليهما الصلاة والسلام - قال الحافظ : ولد صفية بنت حيي مائة نبي ، ومائة ملك ثم سيرها - الله تعالى - أمة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وكان أبوها سيد بني النضير ، فقتل مع بني قريظة ، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل القرظي .

                                                                                                                                                                                                                                الثاني : في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها .

                                                                                                                                                                                                                                كانت عند سلام ، بالتخفيف والتشديد ، ابن مشكم ، بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف ، ثم خلف عليها كنانة ، بكسر الكاف ونونين ، ابن الربيع بن أبي الحقيق ، بحاء مهملة وقافين مصغر ولم تلد لأحد منهما شيئا ، وكانت عند سلمة لم تبلغ سبع عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني برجال ثقات قال : سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير ، فقدم خيبر وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني بسند جيد عن حسن بن حرب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاء الله عليه صفية قال لأصحابه : ما تقولون في هذه الجارية ؟ قالوا : نقول : إنك أولى الناس بها وأحقهم ، قال : فإني (أعتقها وأنكحها ) ، وجعلت عتقها مهرها ، فقال رجل : الوليمة يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الوليمة أول يوم حق ، والثانية معروف ، والثالثة : فخر . وروي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، فلما فتح - الله تعالى - الحصن عليه صارت صفية بنت حيي لدحية في مقسمه ، وكانت عروسا وقد قتل زوجها ، وجعلوا يمدحونها ، عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون : ما رأينا في السبي [ ص: 213 ] مثلها ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى دحية فاشتراها بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها في بيتها ، وتعتد في بيتها فخرج بها أو جعلها خلف ظهره ، فلما نزل ضرب عليها الحجاب ، فتزوجها وجعل عتقها صداقها ، وأقام ثلاثة أيام حتى أعرس بها ، وكان قد ضرب عليها الحجاب ، وفي رواية : حتى إذا بلغنا سد الروحاء فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ادن من حولك وفي رواية : فلما أصبح ، قال : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به فكان الرجل يأتي بفضل التمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك حيسا في نطع صغير ، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء ، فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية ، وقال الناس : لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير ، فعرفوا أنه قد تزوجها ثم رجعنا إلى المدينة ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيرها فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب ، فانطلقنا حتى إذا رأينا جدار المدينة هششنا إليها ورفعنا مطينا ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطيته وصفية خلفه قد أردفها فعثرت مطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصرع وصرعت ، فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسترها فأتيناه فقال : «لم نضر » فقدم المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة عنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها وروي أيضا عنه قال : أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية وجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أيضا عن قتادة - رحمه الله تعالى - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بنات هارون - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب فكانت مما أفاء الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر ، فكانت قبله عند كنانة بن أبي الحقيق فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر وأخذ صفية فتزوجها وجعل عتقها مهرها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أيضا عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت : أعتقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل عتقي صداقي .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أيضا عن الزهري قال : سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانت مما أفاء الله عليه فقسم لها وحجبها ، وكانت من نساء أمهات المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو يعلى عن رزينة مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبى صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله تعالى عليه - فجاء بها يقودها مسبية فلما رأت النساء ، قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فأرسلها ، وكان ذراعها في يده فأعتقها وتزوجها وأمهرها رزينة ، قال الهيثمي : وهو مخالف لما في الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 214 ] وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية وجعل عتقها صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام ، وبسط نطعا جاءت به أم سليم ، وألقى عليه أقطا وتمرا ، وأطعم الناس ثلاثة أيام ، وهو في الصحيح دون قوله : وجعل الوليمة ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن منيع والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى برجال ثقات ، والإمام أحمد برجال الصحيح عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال : لما دخلت صفية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسطاطه حضرنا وحضرت معهم ليكون فيها قسم ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «قوموا عن أمكم » ، فلما كان العشي خرج إلينا وفي طرف ردائه من مد ونصف من تمر عجوة ، فقال : «كلوا من وليمة أمكم » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى البزار بسند جيد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يولم على أحد من نسائه إلا صفية .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو بكر بن خيثمة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر اصطفى صفية ابنة حيي لنفسه ، وخرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يردفها وراءه ، ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع رجله حتى تقوم عليها ، فتركب فلما بلغ سد الصهباء عرس بها فصنع حيسا من نطع وأمرني فدعوت له من حوله ، فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال سنة سبع ، وكانت مما أفاء الله - تعالى - على رسوله يوم خيبر ، وكان فتح خيبر في رمضان .

                                                                                                                                                                                                                                وروي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس وخالفه عبد العزيز بن صهيب عن عميرة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - فقالوا : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جمع سبي خيبر جاء دحية بن خليفة الكلبي فقال : أعطني جارية من السبي ، فقال : اذهب فخذ جارية . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                الثالث : في رؤياها ما يدل على زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                                روى الطبراني برجال الصحيح وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : كان بعين صفية خضرة ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بعينيك ؟ ، فقالت : قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرا وقع في حجري ، فلطمني ، وقال : أتريدين ملك [ ص: 215 ] يثرب . قلت : وما كان أبغض إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل أبي وزوجي فما زال يعتذر إلي ، وقال : يا صفية ، إن أباك ألب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذاك من نفسي .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني وابن أبي عاصم عن أبي برزة - رضي الله تعالى عنه - قال : لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر وصفية عروس فرأت في المنام أن الشمس وقعت على صدرها فقصتها على زوجها ، وفي رواية : على أمها فقال : والله ما تمنين إلا هذا الملك الذي نزل ، فافتتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب عنق زوجها . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                ولا مخالفة بينها وبين الرواية التي قبلها باعتبار التعدد فقصت ذلك على أبيها أولا ثم على زوجها ثانيا ، ولهذا اختلفت العبارة في التعبير .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية