الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) .

                                                                                                                                وأما حكم ولد المرتد فولد المرتد لا يخلو من أن يكون مولودا في الإسلام ، أو في الردة ، فإن كان مولودا في الإسلام ، بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان ، ثم ارتدا لا يحكم بردته ما دام في دار الإسلام ; لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم بإسلامه تبعا لأبويه ، فلا يزول بردتهما لتحول التبعية إلى الدار ، إذ الدار وإن كانت لا تصلح لإثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين ، تصلح للإبقاء ; لأنه أسهل من الابتداء ، فما دام في دار الإسلام يبقى على حكم الإسلام ، تبعا للدار ، ولو لحق المرتدان بهذا الولد بدار الحرب فكبر الولد ، وولد له ولد وكبر ، ثم ظهر عليهم أما حكم المرتد والمرتدة فمعلوم ، وقد ذكرنا أن المرتد لا يسترق ويقتل ، والمرتدة تسترق ولا تقتل وتجبر على الإسلام بالحبس وأما حكم الأولاد فولد الأب يجبر على الإسلام ، ولا يقتل ; لأنه كان مسلما بإسلام أبويه تبعا لهما ، فلما بلغ كافرا فقد ارتد عنه ، والمرتد يجبر على الإسلام ، إلا أنه لا يقتل ; لأن هذه ردة حكمية لا حقيقية لوجود الإيمان حكما بطريق التبعية لا حقيقة ، فيجبر على الإسلام لكن بالحبس لا بالسيف إثباتا للحكم على قدر العلة ، ولا يجبر ولد ولده على الإسلام ; لأن ولد الولد لا يتبع الجد في الإسلام ، إذ لو كان كذلك لكان الكفار كلهم مرتدين لكونهم من أولاد آدم ونوح - عليهما الصلاة والسلام - فينبغي أن تجري عليهم أحكام أهل الردة ، وليس كذلك بالإجماع ، وإن كان مولودا في الردة بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما ، ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها ، وهما مرتدان على حالهما ، فهذا الولد بمنزلة أبويه له حكم الردة ، حتى لو مات لا يصلى عليه ; لأن المرتد لا يرث أحدا ، ولو لحقا بهذا الولد بدار الحرب فبلغ ، وولد له أولاد فبلغوا ، ثم ظهر على الدار وسبوا جميعا ، يجبر ولد الأب وولد ولده على الإسلام ، ولا يقتلون كذا ذكر محمد في كتاب السير وذكر في الجامع الصغير أنه لا يجبر ولد ولده على الإسلام .

                                                                                                                                ( وجه ) ما ذكر في السير أن ولد الأب تبع لأبويه ، فكان محكوما بردته تبعا لأبويه ، وولد الولد تبع له فكان محكوما بردته تبعا له ، والمرتد يجبر على الإسلام ، إلا أنه لا يقتل ; لأن هذه ردة حكمية فيجبر على الإسلام بالحبس لا بالقتل [ ص: 140 ] وجه ) المذكور في الجامع أن هذا الولد إنما صار محكوما بردته تبعا لأبيه ، والتبع لا يستتبع غيره .

                                                                                                                                وأما حكم الاسترقاق فذكر في السير أنه يسترق الإناث والذكور الصغار من أولاده ; لأن أمهم مرتدة وهي تحتمل الاسترقاق ، والولد كما تبع الأم في الرق يتبعها في احتمال الاسترقاق .

                                                                                                                                وأما الكبار فلا يسترقون لانقطاع التبعية بالبلوغ ، ويجبرون على الإسلام وذكر في الجامع الصغير : الولدان فيء أما الأول فلأن أمه مرتدة .

                                                                                                                                وأما الآخر فلأنه كافر أصلي ; لأن تبعية الأبوين في الردة قد انقطعت بالبلوغ ، وهو كافر ، فكان كافرا أصليا ، فاحتمل الاسترقاق ولو ارتدت امرأة وهي حامل ولحقت بدار الحرب ، ثم سبيت وهي حامل كان ولدها فيئا ; لأن السبي لحقه وهو في حكم جزء الأم ، فلا يبطل بالانفصال من الأم والذمي الذي نقض العهد ولحق بدار الحرب بمنزلة المرتد في سائر الأحكام من الإرث والحكم بعتق أمهات الأولاد والمدبرين ونحو ذلك ; لأن المعنى الذي يوجب لحاقه ، اللحاق بالموت في الأحكام التي ذكرنا لا يفصل ، إلا أنهما يفترقان من وجه : وهو أن الذمي يسترق والمرتد لا يسترق وجه الفرق أن شرع الاسترقاق للتوسل إلى الإسلام ، واسترقاق المرتد لا يقع وسيلة إلى الإسلام لما ذكرنا أنه رجع بعد ما ذاق طعم الإسلام ، وعرف محاسنه فلا يرجى فلاحه ، بخلاف الذمي والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية