الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        لقد كنت في غفلة من هذا [22]

                                                                                                                                                                                                                                        اختلف أهل العلم في هذه المخاطبة لمن هي فقالوا فيها ثلاثة أقوال : قال زيد بن أسلم وعبد الرحمن بأن هذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وحكى عبد الله بن وهب عن يعقوب عن عبد الرحمن قال : قلت لزيد بن أسلم وهذه المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أنكرت من هذا ، وقد قال الله سبحانه ( ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ) . قال : فهذا قول ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ( لقد كنت في غفلة من هذا ) قال : هذا مخاطبة للكفار ، وكذا قال مجاهد ، وقال الضحاك : مخاطبة للمشركين؛ وقال صالح بن كيسان بعد أن أنكر على زيد بن أسلم ما قاله ، وقال : ليس عالما بكلام العرب ولا له رواية وإنما هذه مخاطبة للكفار . فهذان قولان ، والقول الثالث ما قاله الحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : هذا مخاطبة للبر والفاجر ، وهو قول قتادة . قال أبو جعفر : أما قول زيد بن أسلم فتأويله على أن الكلام تم عنده عند قوله جل وعز ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ثم ابتدأ يا محمد لقد كنت في غفلة من هذا الدين ومما أوحي إليك من قبل أن تبعث إذ كنت في الجاهلية ( فكشفنا عنك غطاءك ) أي فبصرناك ( فبصرك اليوم حديد ) أي فعلمك نافذ . والبصر ههنا بمعنى العلم وأولى ما قيل في الآية أنها على العموم للبر والفاجر يدل على ذلك ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) فهذا عام لجميع الناس برهم [ ص: 227 ] وفاجرهم فقد علم أن معنى ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) وجاءتك أيها الإنسان سكرة الموت ثم جرى الخطاب على هذا في ( لقد كنت في غفلة من هذا ) أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة مما عاينت فإن كان محسنا ندم إذ لم يزدد ، وإن كان مسيئا ندم إذ لم يقلع هذا لما كشف عنهما الغطاء ، فبصرك اليوم نافذ لما عاينت . وقال الضحاك : فبصرك لسان الميزان . قيل : فتأول بعض العلماء هذا على التمثيل بالعدل أي أنت أعرف خلق الله جل وعز بعملك فبصرك به كلسان الميزان الذي يعرف به الزيادة والنقصان .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية