الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
عفو المجني عليه في العمد والخطأ

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال : إذا جنى الرجل جناية خطأ فعفا المجني عليه أرش الجناية فإن لم يمت من الجناية فالعفو جائز وإن مات فالعفو وصية تجوز من الثلث وهي وصية لغير قاتل [ ص: 96 ] لأنها على عاقلته ولو كان الجاني مسلما ممن لا عاقلة له كان العفو جائزا ; لأنها على المسلمين ، ولو كان الجاني نصرانيا أو يهوديا من أهل الجزية كان العفو جائزا من قبل أنها على عاقلته فإن كان الجاني ذميا لا يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهما معا والعفو باطل ; لأنها وصية لقاتل وللورثة أخذهما بها ، ولو كان الجاني عبدا فعفا عنه المجني عليه ، ثم مات جاز العفو من الثلث ; لأنها ليست بوصية للعبد إنما هي وصية لمولاه .

ولو كان المجني عليه خطأ فقال : قد عفوت عن الجاني القصاص لم يكن عفوا عن المال حتى يتبين أنه أراد بعفوه الجناية العفو عن المال ; لأنه قد يرى أن له قصاصا ، وكذلك لو قال : قد عفوت عنه الجناية وما يحدث منها وعليه اليمين إن كان حيا ما عفا المال الذي يلزم بالجناية وعلى ورثته إن كان ميتا اليمين هكذا على علمهم ، ولو قال : قد عفوت عنه ما يلزمه من الأرش والجناية كان عفوا عن الكافر ; لأنه ليست له عاقلة يجري عليها الحكم وعمن أقر بالجناية خطأ ولم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يكون قد أراد بقوله قد عفوت عن أرش الجناية أو ما يلزمه من أرش قد عفوت ذلك عن عاقلته .

ألا ترى أنه لا يلزمه من أرش الجناية شيء فإذا عفا ما لا يلزمه لم يكن عفوا ولا يكون عفوا في هذا خاصة إلا بما وصفت من أن يقول قد عفوت ما يلزم لي على عاقلته في أرش جنايتي أو ما يلزم من أرش جنايتي إن كان ممن لا تعقله العاقلة ولو كانت الجناية جرحا فعفا أرشه عفوا صحيحا ثم مات من الجراح ففيها قولان : أحدهما : أنه يجوز العفو في أرش الجناية ولا يجوز فيما زاد على قدر الجرح بالموت على أرش الجرح كأن الجرح كان يدا فعفا أرشها ، ثم مات فيجوز العفو في نصف الدية من الثلث ويؤخذ نصفها . والثاني : أنه لا يجوز إذا كان العقل يلزم القاتل ; لأن الهبة البتات في معاني الوصايا فلا تجوز لقاتل فإن كانت الجراح خطأ تبلغ دية نفس أو أكثر فعفا أرشها ، ثم مات جاز العفو من الثلث ; لأنه قد عفا الذي وجب أو أكثر منه .

( قال ) وإذا جرح المحجور عليه بالغا أو معتوها أو صبيا فعفا أرش الجرح في الخطأ لم يجز عفوه ، وكذلك في العمد الذي لا يكون فيه القود وإن عفا القود جاز عفوه فيه فإن عفا ديته في الخطأ عن عاقلة قاتله فهي وصية لغير قاتل فمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو بحال . .

التالي السابق


الخدمات العلمية