الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            أبواب تطهير النجاسة وذكر ما نص عليه منها باب اعتبار العدد في الولوغ

                                                                                                                                            19 - ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } . متفق عليه ، ولأحمد ومسلم : { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب } ) .

                                                                                                                                            20 - ( وعن عبد الله بن مغفل قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال : ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال : إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب } . رواه الجماعة إلا الترمذي والبخاري ، وفي رواية لمسلم ، { ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع } ) .

                                                                                                                                            [ ص: 55 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 55 ] الحديثان يدلان على أنه يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك ، وبيان ما هو الحق في باب أسآر البهائم .

                                                                                                                                            قوله : ( أولاهن بالتراب ) لفظ الترمذي والبزار " أولاهن أو أخراهن " ولأبي داود " السابعة بالتراب " وفي رواية صحيحة للشافعي { أولاهن أو أخراهن بالتراب } .

                                                                                                                                            وفي رواية لأبي عبيد القاسم بن سلام في كتاب الطهور له .

                                                                                                                                            { إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات أولاهن أو إحداهن بالتراب } وعند الدارقطني بلفظ " إحداهن " أيضا وإسناده ضعيف فيه الجارود بن يزيد وهو متروك ، والذي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في الباب بلفظ { وعفروه الثامنة بالتراب } أصح من رواية إحداهن . قال في البدر المنير : بإجماعهم ، وقال ابن منده : إسناده مجمع على صحته وهي زيادة ثقة فتعين المصير إليها .

                                                                                                                                            وقد ألزم الطحاوي الشافعية بذلك واعتذار الشافعي بأنه لم يقف على صحة هذا الحديث لا ينفع الشافعية فقد وقف على صحته غيره لا سيما مع وصيته بأن الحديث إذا صح فهو مذهبه فتعين حمل المطلق على المقيد . وأما قول ابن عبد البر : لا أعلم أحدا أفتى بأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء غير الحسن فلا يقدح ذلك في صحة الحديث وتحتم العمل به ، وأيضا قد أفتى بذلك أحمد بن حنبل وغيره ، وروي عن مالك أيضا ، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر . وجواب البيهقي عن ذلك بأن أبا هريرة أحفظ من غيره فروايته أرجح وليس فيها هذه الزيادة ، مردود بأن في حديث عبد الله بن مغفل زيادة وهو مجمع على صحته ، وزيادة الثقة يتعين المصير إليها إذا لم تقع منافية .

                                                                                                                                            وقد خالفت الحنفية والعترة في وجوب التتريب كما خالفوا في التسبيع ، ووافقهم ههنا المالكية مع إيجابهم التسبيع على المشهور عندهم ، قالوا : لأن التتريب لم يقع في رواية مالك ، قال القرافي منهم : قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها وقد اعتذر القائلون بأن التتريب غير واجب بأن رواية التتريب مضطربة ; لأنها ذكرت بلفظ أولاهن وبلفظ أخراهن وبلفظ إحداهن وفي رواية السابعة وفي رواية الثامنة ، والاضطراب يوجب الاطراح . وأجيب بأن المقصود حصول التتريب في مرة من المرات وبأن إحداهن مبهمة ، وأولاهن معينة ، وكذلك أخراهن ، والسابعة والثامنة .

                                                                                                                                            ومقتضى حمل المطلق على المقيد أن تحمل المبهمة على إحدى المرات المعينة ، ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ، ومن حيث المعنى أيضا ; لأن تتريب الآخرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه ، وقد نص الشافعي على أن الأولى أولى كذا في الفتح . وقد وقع الخلاف هل يكون التتريب في الغسلات السبع أو خارجا عنها . وظاهر حديث عبد الله بن مغفل أنه خارج عنها وهو أرجح من غيره لما عرفت فيما تقدم قوله : ( ما بالهم وبال الكلاب ) فيه دليل على تحريم قتل [ ص: 56 ] الكلاب ، وقد اشتهر في السنة إذنه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب .

                                                                                                                                            وسبب ذلك كما في صحيح مسلم { أنه وعده جبريل عليه السلام أن يأتيه فلم يأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما والله ما أخلفني ، فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك ، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط فأمر به فأخرج فأتاه جبريل فقال له : قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة فقال : أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتل الكلاب } ثم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن قتلها ونسخه ، وقد عقد الحازمي في الاعتبار لذلك بابا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الترخيص في كلب الصيد والزرع والماشية ، والمنع من اقتناء غير ذلك وقال : { من اقتنى كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية نقص من عمله كل يوم قيراط } وثبت عنه الأمر بقتل الكلب الأسود البهيم ذي النقطتين وقال : إنه شيطان ، وللبحث في هذا موطن آخر ليس هذا محله فلنقتصر على هذا المقدار وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في أبواب الصيد .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية