الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس عشر في ذكر من خطبها - صلى الله عليه وسلم - ولم يعقد عليها أو عرضت نفسها أو عرضت عليه

                                                                                                                                                                                                                                خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسوة ولم يعقد عليهن لأمر اقتضى ذلك وهن : جمرة ، بضم الجيم وسكون الميم وبالراء ، بنت الحارث بن عوف بن مرة بن كعب بن ذبيان .

                                                                                                                                                                                                                                روى ابن أبي خيثمة عن قتادة بن دعامة وأبو عبيدة معمر بن المثنى - رحمهما الله تعالى - قالا : خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبوها : إن بها سوادا ، ولم يكن بها شيء فرجع إليها أبوها وقد برصت ، وهي أم شبيب بن البرصاء ، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة : جمرة بنت الحارث بن عوف هي البرصاء ، تقدمت ، وقال في الباء الموحدة : البرصاء والدة شبيب بن البرصاء ، وذكر نحو ما تقدم ، ثم قال : ويقال اسمها أمامة ، وقيل : قرصافة .

                                                                                                                                                                                                                                وقال في القاف : قرصافة بنت الحارث بن عوف يقال : هو اسم البرصاء ، وجدها في ترجمة والدها .

                                                                                                                                                                                                                                وقال في حرف الحاء : من الرجال الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خطب إليه ابنته ، فقال : لا أرضاها لك ، إن بها سوادا ، ولم يكن بها فرجع فوجدها قد برصت فتزوجها ابن عمها يزيد بن جمرة المزني ، فولدت له شبيبا فعرف بابن البرصاء واسم البرصاء قرصافة ، ذكر ذلك الرشاطي ، قلت : فهذا كما ترى لا ذكر لجمرة في هذه المواضع .

                                                                                                                                                                                                                                جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة المزنية ، ذكرها عبد الملك النيسابوري عن قتادة ، هكذا فرق الحارث قطب الدين الحلبي في المورد بينها ، وبين التي قبلها ، وليس بجيد ، فإنهما واحدة بلا شك .

                                                                                                                                                                                                                                حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن سعد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد هم أن يتزوج سهلة ثم تركها .

                                                                                                                                                                                                                                خولة بالخاء المعجمة المفتوحة فواو ساكنة فلام ، فتاء تأنيث ، وقيل : خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن مرة بن الأرقص بن مرة بن هلال السلمية .

                                                                                                                                                                                                                                روى البخاري في صحيحه عن عروة ، ووصله أبو نعيم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال هشام بن الكلبي كانت ممن وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - زاد ابن الجوزي في التنقيح فأرجأها ، فتزوجها عثمان بن مظعون .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] سودة القرشية ، روى ابن منده وغيره عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج سودة القرشية ، فقالت له : إنك أحب البرية إلي ، وإن لي صبية أكره أن يتضاغوا عند رأسك بكرة وعشية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه لبعل في ذات يده ، وأصله في صحيح مسلم من وجه آخر لكن لم يسمها ورواه الإمام أحمد وأبو يعلى بسند لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                                                يتضاغون : بضاد وغين معجمتين - يصيحون .

                                                                                                                                                                                                                                صفية بنت بشامة - بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة ابن نضلة ، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن سعد من طريق محمد بن السائب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبها وكان أصابها سباء ، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين نفسه الكريمة وبين زوجها ، فأرسلها فلعنتها بنو تميم ، ذكر ابن حبيب من المحبر في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                                                ضباعة ، بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة بنت عامر بن فرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أسلمت قديما - رضي الله تعالى عنها - بمكة بعد عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه الكريمة على بني عامر ، وهاجرت ، ذكرها ابن الجوزي ، وابن عساكر في هذا الباب وكانت من أجمل نساء العرب ، وأعظمهن خلقا ، وكانت إذا جلست أقدت من الأرض شيئا كثيرا ، وكانت تغطي جسدها مع عظمه بشعرها وكانت تحت هوذة ، بفتح الهاء وسكون الواو وبالذال المعجمة ابن علي الحنفي ، فمات عنها ، فتزوجها عبد الله بن جدعان فلم يلق بخاطرها ، فسألته طلاقها ، ففعل ، فتزوجها هشام بن المغيرة ، فولدت له سلمة ، وكان من خيار عباد الله فلما هاجرت خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنها فقال : يا رسول الله ، ما عنك مدفع فأستأمرها ، قال : نعم فأتاها فأخبرها . فقالت : إنا لله وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأمرني ، ارجع إليه ، فقل له : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذهاب ابنها إليها : إن ضباعة ليست كما تعهد ، قد كثرت غضون وجهها (وسقطت ) أسنانها من فيها ، فلما رجع سلمة وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالت : فسكت عنه .

                                                                                                                                                                                                                                نعامة ، عدها وما بعدها في الأزواج إن أريد به الخطبة فواضح ، وإلا فالأنسب ذكرها في الباب قبل هذا فليحرر ولم يذكر اسم أبيها ، وهي من سبي بني العنبر كانت امرأة جميلة عرض عليها [ ص: 235 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجها فلم يلبث أن جاء زوجها الحريش الدباغ في ذيل الاستيعاب وأقروه .

                                                                                                                                                                                                                                أم شريك بنت جابر الغفارية ، قال ابن عمر ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللاتي لم يدخل بهن .

                                                                                                                                                                                                                                أم شريك الأنصارية ، قيل : هي بنت أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصارية من بني عبد الأشهل ، وقيل : هي بنت خالد بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة الأنصارية ، وقيل : غيرهما ، وقيل : أم شريك بنت أبي العسكر بن تيمي وفي صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة : في حديث تميم الداري قال : وفيه وأم شريك امرأة غنية عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل - ينزل عليها الضيفان ، فالله أعلم من هي ؟

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن أبي خيثمة عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شريك الأنصارية ، وقال : إني أحب أن أتزوج من الأنصار ، ثم قال : إني أكره غيرة الأنصار ، فلم يدخل بها .

                                                                                                                                                                                                                                أم شريك الدوسية ، روى ابن سعد وابن شيبة وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، والطبراني عن علي بن الحسين بن علي في قوله تعالى : وامرأة مؤمنة [الأحزاب 50 ] إن أم شريك الأزدية هي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                ورواه أيضا عن عكرمة وروى ابن سعد عن عكرمة في الآية قال : ها أم شريك الدوسية وروى أيضا عن منير بن عبد الله الدوسي أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت جميلة ، فقبلها ، فقالت عائشة : ما من امرأة حين وهبت نفسها من خير ، قالت أم شريك : فأنا تلك ، فسماها الله تعالى - مؤمنة ، فقال تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي [الأحزاب 50 ] أنا وهبت نفسي للنبي فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة : إن الله ليسرع في هواك .

                                                                                                                                                                                                                                وروى النسائي برجال ثقات عن أم شريك - رضي الله تعالى عنها - أنها كانت ممن وهبت نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى البخاري وابن أبي خيثمة عن ثابت قال : كنت عند أنس - رضي الله تعالى عنه - وعنده بنت له ، فقال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، ألك حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها واسوأتاه ! ، فقال أنس : هي خير منك رغبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت نفسها عليه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 236 ] وروى برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                أم شريك القرشية العامرية من بني عامر بن لؤي . قال ابن سعد : كان محمد بن عمر يقول هي من بني معيص بن عامر بن لؤي . وكان غيره ، يقول : هي دوسية من الأسد ثم أسند عن الواقدي عن موسى عن محمد بن إبراهيم عن التيمي عن أبيه ، قال : كانت أم شريك من بني عامر بن لؤي معيصية وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبلها ، فلم تتزوج حتى ماتت .

                                                                                                                                                                                                                                قال الحافظ ابن حجر في الإصابة : بعد كلام كثير على اختلاف الروايات والذي يظهر في الجمع أن أم شريك واحدة اختلف من نسبها عامرية من قريش أو أنصارية ، أو أزدية من دوس واجتماع هذه النسب الثلاث يمكن أن يقال : قرشية تزوجت في دوس فنسبت إليهم ، ثم تزوجت من الأنصار فنسبت إليهم أو لم تتزوج بل نسبت أنصارية بالمعنى الأعم .

                                                                                                                                                                                                                                أم هانئ فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عمه أبي طالب ، وخطبها هبيرة بن عمرو المخزومي فزوجها أبو طالب هبيرة فعاتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو طالب : يا ابن أخي ، إنا قد صاهرنا إليهم ، والكريم يكافئ الكريم ، ثم فرق الإسلام بين أم هانئ وهبيرة فخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كنت أحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام ؟ وإني امرأة مصبية .

                                                                                                                                                                                                                                فأكره أن يؤذوك فقال : خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني برجال ثقات عن أم هانئ قالت : خطبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ما لي عنك رغبة يا رسول الله ولكني لا أحب أن أتزوج وبني صغار - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على طفل في صغره ، وأرعاه على بعل في ذات يده وامرأة لم تسم ، قيل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب امرأة فقالت : حتى (أستأذن من ) أبي ، فأذن لها فعادت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد التحفنا لحافا غيرك ، وعرضت عليه - صلى الله عليه وسلم - امرأتان فردهما لمانع شرعي .

                                                                                                                                                                                                                                  الأولى : أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هي ابنة أخي من الرضاعة .

                                                                                                                                                                                                                                الثانية : عزة بفتح العين المهملة والزاي المشددة بنت أبي سفيان بن حرب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحل ما كان لي أختها أم حبيبة ، وحديثهما في الصحيح وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية