الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت ترجمة ما مضى من قسم الراجي والمجاهد والعامل للصالح : فمن الناس - كما أشير إليه - من يؤمن بالله ، فإذا أوذي في الله صبر واحتسب انتظارا للجزاء من العلي الأعلى ، ولكنه حذف من كل جملة ما دل عليه بما ذكر في الأخرى ، عطف عليه : ومن الناس أي : المذبذبين من يقول أي : بلسانه دون طمأنينة من قلبه : آمنا بالله أي : الذي اختص بصفات الكمال ، وأشار بعد الإيماء [ ص: 398 ] إلى كثرة هذا الصنف بالإسناد إلى ضمير الجمع - إلى أن الأذى في هذه الدار ضربة لازب لابد منه ، بقوله بأداة التحقيق : فإذا أوذي أي : فتنة له واختبارا من أي مؤذ كان في الله أي : بسبب كونه في سبيل [الله] الذي لا يدانيه في عظمته وجميع صفاته شيء ، ببلاء يسلط به عباده عليه جعل أي : ذلك الذي ادعى الإيمان فتنة الناس أي : له بما يصيبه من أذاهم في جسده الذي إذا مات انقطع أذاهم عنه كعذاب الله أي : المحيط بكل شيء ، فلا يرجى الانفكاك منه ، فيصرف المعذب بعد الشماخة والكبر إلى الخضوع والذل ، لأنه لا كفؤ له ولا مجير عليه ، فلا يطاق عذابه ، لأنه على كل من الروح والجسد ، لا يمكن مفارقته لهما ولا لواحد منهما بموت ولا بحياة إلا بإرادته حتى يكون عمل هذا المعذب عند عذاب الناس له الطاعة لهم في جميع ما يأمرون به ظاهرا وباطنا ، فيتبين حينئذ أنه كان كاذبا في دعوى الإيمان ، وقصر الرجاء على الملك الديان ، وأشار إلى أن الفتنة ربما استمرت إلى الممات وطال زمنها بالتعبير بأداة الشك ، وأكد لاستبعاد كل سامع أن يقع من أحد بهت في قوله : ولئن جاء نصر أي : لحزب الله الثابتي الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإحسان منه إنما هو محض امتنان ، فلا يجب عليه لأحد [ ص: 399 ] شيء ، عبر بما يدل على ذلك مشيرا إلى أنه يفعله لأجله صلى الله عليه وسلم فقال : من ربك أي : المحسن إليك بنصر أهل دينك ، تصديقا لوعدك لهم ، وإدخالا للسرور عليك ،

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت هذه الحالة رخاء ، عبر بضمير الجمع إشارة إلى نحو قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      وما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل

                                                                                                                                                                                                                                      فقال : ليقولن أي : هؤلاء الذين لم يصبروا ، خداعا للمؤمنين خوفا ورجاء وعبر في حالة الشدة بالإفراد لئلا يتوهم أن الجمع قيد ، وجمع هنا دلالة على أنهم لا يستحيون من الكذب ولو على رؤوس الأشهاد ، وأكدوا لعلمهم أن قولهم ينكر لأنهم كاذبون فقالوا : إنا كنا معكم أي : لم نزايلكم بقلوبنا وإن أطعنا أولئك بألسنتنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : أليس أولياؤنا المتفرسون بأحوالهم عالمين؟ عطف عليه منكرا قوله : أوليس الله المحيط بعلم الباطن كما هو محيط بعلم الظاهر بأعلم بما في صدور العالمين أي : كلهم ، منهم فلا يخفى عليه شيء من ذلك إخلاصا كان أو نفاقا ، بل هو أعلم من أصحاب الصدور بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية