الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الصبغي

                                                                                      الإمام العلامة المفتي المحدث ، شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد ، النيسابوري الشافعي المعروف بالصبغي .

                                                                                      مولده في سنة ثمان وخمسين ومئتين .

                                                                                      [ ص: 484 ] رأى يحيى بن محمد الذهلي ، وأبا حاتم الرازي .

                                                                                      وسمع الفضل بن محمد الشعراني ، وإسماعيل بن قتيبة ، ويوسف بن يعقوب القزويني ، والحارث بن أبي أسامة ، وهشام بن علي السيرافي ، وعلي بن عبد العزيز البغوي ، وإسماعيل القاضي ومحمد بن أيوب البجلي وطبقتهم بنيسابور والحجاز والبصرة وبغداد والري .

                                                                                      وجمع وصنف ، وبرع في الفقه ، وتميز في علم الحديث .

                                                                                      حج في سنة 283 ، فقرأ له أبو القاسم البغوي على عمه " منتقى المسند " .

                                                                                      حدث عنه : حمزة بن محمد الزيدي ، وأبو علي الحافظ ، وأبو أحمد الحاكم ، وأبو بكر الإسماعيلي ، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني ، وأبو عبد الله الحاكم ، وخلق كثير .

                                                                                      قال الحاكم : سمعته يقول : لما ترعرعت اشتغلت بتعلم الفروسية ، ولم أسمع حرفا ، وحملت إلى الري ، وأبو حاتم حي ، وسألته عن مسألة في ميراث أبي ، ثم رجعنا إلى نيسابور في سنة ثمانين ومائتين ، فبينا أنا على باب دارنا ، وأبو حامد ابن الشرقي ، وأبو حامد بن حسنويه جالسين ، فقالا لي : اشتغل بسماع الحديث . قلت : ممن ؟ قالا : من إسماعيل بن قتيبة . فذهبت إليه ، وسمعت ، فرغبت في الحديث ، ثم خرجت إلى العراق بعد بسنة .

                                                                                      قال الحاكم : بقي الإمام أبو بكر يفتى بنيسابور نيفا وخمسين سنة ، ولم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهم فيها .

                                                                                      وله الكتب المبسوطة مثل الطهارة [ ص: 485 ] والصلاة والزكاة ، ثم إلى آخر كتاب " المبسوط " .

                                                                                      سمعت أبا الفضل بن إبراهيم يقول : كان أبو بكر بن إسحاق يخلف إمام الأئمة ابن خزيمة في الفتوى بضع عشرة سنة في الجامع وغيره .

                                                                                      ثم قال الحاكم : سمعت الشيخ أبا بكر يقول : رأيت في منامي كأني في دار فيها عمر ، وقد اجتمع الناس عليه يسألونه المسائل ، فأشار إلي : أن أجيبهم ، فما زلت أسأل وأجيب وهو يقول لي : أصبت ، امض ، أصبت امض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما النجاة من الدنيا أو المخرج منها ؟ فقال لي بإصبعه : الدعاء ، فأعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه ساجد لخضوعه ، ثم قال : الدعاء .

                                                                                      قال الحاكم : ومن تصانيفه كتاب " الأسماء والصفات " ، وكتاب " الإيمان " ، وكتاب " القدر " ، وكتاب " الخلفاء الأربعة " ، وكتاب " الرؤية " ، وكتاب " الأحكام " ، وحمل إلى بغداد ، فكثر الثناء عليه -يعني : هذا التأليف - وكتاب " الإمامة " .

                                                                                      وقد سمعته يخاطب كهلا من أهل فقال : حدثونا عن سليمان بن حرب فقال له : دعنا من حدثنا ، إلى متى حدثنا وأخبرنا ؟ فقال : يا هذا ، لست أشم من كلامك رائحة الإيمان ، ولا يحل لك أن تدخل هذه الدار ، ثم هجره حتى مات .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت محمد بن حمدون يقول : صحبت أبا بكر بن إسحاق سنين ، فما رأيته قط ترك قيام الليل لا في سفر ولا حضر .

                                                                                      [ ص: 486 ] رأيت أبا بكر غير مرة عقيب الأذان يدعو ويبكي ، وربما كان يضرب برأسه الحائط ، حتى خشيت يوما أن يدمى رأسه ، وما رأيت في جماعة مشايخنا أحسن صلاة منه ، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه .

                                                                                      وسمعته غير مرة إذا أنشد بيتا ، يفسده ويغيره حتى يذهب الوزن ، وكان يضرب المثل بعقله ورأيه .

                                                                                      وسئل عمن يدرك الركوع ولم يقرأ الفاتحة ، فقال : يعيد الركعة .

                                                                                      ثم قال الحاكم : حدثنا أبو بكر بن إسحاق ، حدثنا يوسف بن يعقوب القزويني ، حدثنا سعيد بن يحيى الأصبهاني ، حدثنا سعير بن الخمس ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : " من أحب أن يلقى الله غدا مسلما ، فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن " .

                                                                                      قال الحاكم : كتب عني الدارقطني هذا ، وقال : ما كتبته عن أحد قط . ورواه الخليلي عن الحاكم ، وقال الخليلي : ورواه ابن منده عن الصبغي ، وقال ابن منده : كتبه عني أبو الشيخ الحافظ . رواه جماعة عن الهجري . وما جاء عن سعير إلا من هذا الوجه ، عن أبي إسحاق ، وهو إبراهيم الهجري لا السبيعي ، ثم بالغ الخليلي في تعظيمه .

                                                                                      [ ص: 487 ] قال الحاكم : وسمعت أبا بكر بن إسحاق يقول : خرجنا من مجلس إبراهيم الحربي ، ومعنا رجل كثير المجون ، فرأى أمرد ، فتقدم ، فقال : السلام عليك ، وصافحه ، وقبل عينيه وخده ، ثم قال : حدثنا الدبري بصنعاء بإسناده ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه فقلت له : ألا تستحي تلوط وتكذب في الحديث ؟ - يعني : أنه ركب إسنادا للمتن .

                                                                                      توفي الصبغي في شعبان سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة .

                                                                                      وفيها مات مسند همذان أبو جعفر أحمد بن عبيد الأسدي ، وشيخ الصوفية إبراهيم بن المولد ، والمسند أبو الفضل الحسن بن يعقوب البخاري ، والمسند عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان ، والقاضي العلامة أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي ، وشيخ مرو الإمام أبو العباس القاسم بن القاسم بن مهدي السياري سبط أحمد بن سيار [ ص: 488 ] الحافظ ، والمسند أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن علي الأسواري الأصبهاني ، وشيخ المحدثين والزهاد بنيسابور أبو بكر محمد بن داود بن سليمان النيسابوري .

                                                                                      قرأت على أبي المعالي أحمد بن المؤيد ، أخبرنا محمد بن محمد المأموني ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي إملاء ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ، حدثنا محمد بن غالب بن حرب ، حدثنا داود بن عبد الله الجعفري ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه إذا كبر ، وإذا رفع .

                                                                                      وبه أخبرنا الصبغي ، حدثنا أحمد بن القاسم بن أبي مساور ، حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم قال : أملى علي ابن وهب من حفظه ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أنس ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ليس على منتهب ولا مختلس ولا خائن قطع .

                                                                                      [ ص: 489 ] غريب جدا . مع عدالة رواته ، فلا تنبغي الرواية إلا من كتاب ; فإني أرى ابن وهب - مع حفظه - وهم فيه ، وللمتن إسناد غير هذا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية