الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4405 [ ص: 295 ] (باب منه)

                                                                                                                              وأورده النووي ، في (الباب المشار إليه) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 160 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ابن شهاب، أن سعيد بن المسيب أخبره: أنه سمع أبا هريرة، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم، رأيتني على قليب، عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه والله يغفر له ضعف، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب، حتى ضرب الناس بعطن ") .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، رضي الله عنه؛ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : بينا أنا نائم ، رأيتني على قليب ، عليها دلو) هي البئر غير المطوية. "والدلو" : يذكر ويؤنث .

                                                                                                                              (فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة ، فنزع منها) . النزع : الاستقاء .

                                                                                                                              [ ص: 296 ] (ذنوبا) بفتح الذال : الدلو المملوءة .

                                                                                                                              (أو ذنوبين . وفي نزعه ضعف : بضم الضاد وفتحها ، لغتان مشهورتان. والضم أفصح .

                                                                                                                              (والله يغفر له) أي : ضعفه . وأول : بقصر مدة خلافته .

                                                                                                                              (ثم استحالت) أي : صارت وتحولت ، من الصغر إلى الكبر : (غربا) بفتح المعجمة وإسكان الراء . وهي الدلو العظيمة .

                                                                                                                              (فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا من الناس) : بفتح العين ، وسكون الباء ، وفتح القاف ، وكسر الراء ، وتشديد الياء . هو "السيد" . وقيل : الذي ليس فوقه شيء.

                                                                                                                              [ ص: 297 ] قال ابن جبير: "العبقري" : عتاق الزرابي . أي : حسانها . قال "يحيى بن سعيد القطان" : الزرابي ؛ هي الطنافس؛ أي : البساط ، لها خمل . أي : أهداب . رقيقة مبثوثة أي كثيرة . وهذا الذي قاله هو معنى "العبقري" في اللغة . والمراد به هنا : "سيد القوم" . وغير ذلك.

                                                                                                                              (ينزع نزع عمر بن الخطاب) . وفي البخاري : "يفري فريه" . (حتى ضرب الناس بعطن) أي : أرووا إبلهم ، ثم آووها إلى "عطنها" : وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي ، لتستريح .

                                                                                                                              ولفظ البخاري : "حتى روي الناس ، وضربوا بعطن" .

                                                                                                                              [ ص: 298 ] وفيه : إشارة إلى طول مدة خلافة عمر ، وكثرة انتفاع الناس بها .

                                                                                                                              قال عياض : ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة . وقيل : يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعا ؛ لأن بنظرهما ، وتدبيرهما ، وقيامهما بمصالح المسلمين : تم هذا الأمر ، وضرب الناس بعطن . لأن أبا بكر : قمع أهل الردة ، وجمع شمل المسلمين وألفهم، وابتدأ الفتوح ، ومهد الأمور . وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه . انتهى.

                                                                                                                              وعبارة النووي ؛ قال العلماء : "هذا المنام" مثال واضح ، لما جرى لأبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما : في خلافتهما ، وحسن سيرتهما ، وظهور آثارهما ، وانتفاع الناس بهما . وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن بركته ، وآثار صحبته . فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هو صاحب الأمر ، فقام به أكمل قيام ، وقرر قواعد الإسلام ؛ ومهد أموره . وأوضح أصوله وفروعه ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وأنزل الله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم . ثم توفي صلى الله عليه وآله وسلم ، فخلفه أبو بكر ، رضي الله عنه : سنتين وأشهرا. وهو المراد بقوله : "ذنوبا أو ذنوبين" . وهذا شك من الراوي . والمراد : "ذنوبان"

                                                                                                                              [ ص: 299 ] كما صرح به في الرواية الأخرى. وحصل في خلافته : قتال أهل الردة ، وقطع دابرهم ، واتساع الإسلام . ثم توفي ، فخلفه عمر رضي الله عنه ، فاتسع الإسلام في زمنه ، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله . فعبر "بالقليب" : عن أمر المسلمين ، لما فيها من الماء ، الذي به حياتهم وصلاحهم. وشبه أميرهم : بالمستقي لهم . وسقيه : هو قيامه بمصالحهم ، وتدبير أمورهم . وليس في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ في حق أبي بكر : "وفي نزعه ضعف" حط من فضيلته ، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه . وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما ، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر ، لطولها ولاتساع دائرة الإسلام ، وبلاده ، والأموال وغيرها : من الغنائم ، والفتوحات . ومصر الأمصار ، ودون الدواوين . وكذلك ليس في قوله : "والله يغفر له" : تنقيص له ، ولا إشارة إلى ذنب . وإنما هي كلمة ، كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ، ونعمت الدعامة.

                                                                                                                              وفي حديث آخر عند مسلم : "إنها كلمة ، كان المسلمون يقولونها : افعل كذا ، والله يغفر لك" .

                                                                                                                              قال العلماء : وفي كل هذا "إعلام" : بخلافة أبي بكر وعمر ، وصحة ولايتهما ، وبيان صفتها ، وانتفاع المسلمين بها . انتهى .




                                                                                                                              الخدمات العلمية