الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3955 ) مسألة ; قال : ( ومن غصب عبدا ، أو أمة ، وقيمته مائة ، فزاد في بدنه ، أو بتعلم ، حتى صارت قيمته مائتين ، ثم نقص بنقصان بدنه ، أو نسيان ما علم ، حتى صارت قيمته مائة ، أخذه السيد ، وأخذ من الغاصب مائة ) وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجب عليه عوض الزيادة ، إلا أن يطالب بردها زائدة ، فلا يردها ; لأنه رد العين كما أخذها ، فلم يضمن نقص قيمتها ، كنقص سعرها ، ولنا ، أنها زيادة في نفس المغصوب ، فلزم الغاصب ضمانها ، كما لو طالبه بردها فلم يفعل .

                                                                                                                                            وفارق زيادة السعر ، فإنها لو كانت موجودة حال الغصب ، لم يضمنها ، والصناعة إن لم تكن من عين المغصوب ، فهي صفة فيه ، ولذلك يضمنها إذا طولب برد العين وهي موجودة فلم يردها ، وأجريناها هي والتعلم مجرى السمن الذي هو عين ; لأنها صفة تتبع العين ، وأجرينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب ; لأنها زيادة في العين المملوكة للمغصوب منه ، فتكون مملوكة له أيضا ; لأنها تابعة للعين .

                                                                                                                                            فأما إن غصب العين سمينة ، أو ذات صناعة ، أو تعلم القرآن ونحوه ، فهزلت ونسيت فنقصت قيمتها ، فعليه ضمان نقصها . لا نعلم فيه خلافا ; لأنها نقصت عن حال غصبها نقصا أثر في قيمتها ، فوجب ضمانه ، كما لو أذهب عضوا من أعضائها . ( 3956 ) فصل : إذا غصبها وقيمتها مائة فسمنت ، فبلغت قيمتها ألفا ، ثم تعلمت صناعة ، فبلغت ألفين ، ثم هزلت ونسيت ، فعادت قيمتها إلى مائة ، ردها ورد ألفا وتسعمائة .

                                                                                                                                            وإن بلغت بالسمن ألفا ، ثم هزلت فبلغت مائة ، ثم تعلمت فبلغت ألفا ، ثم نسيت فعادت إلى مائة ، ردها ورد ألفا وثمانمائة ; لأنها نقصت بالهزال تسعمائة ، وبالنسيان تسعمائة . وإن سمنت فبلغت ألفا ، ثم هزلت فعادت إلى مائة ، ثم تعلمت فعادت إلى ألف ، ردها وتسعمائة ; لأن زوال الزيادة الأولى أوجب الضمان ، ثم حدثت زيادة أخرى من وجه آخر على ملك المغصوب منه ، فلا ينجبر ملك الإنسان بملكه ، وأما إذا بلغت بالسمن ألفا ، ثم هزلت فعادت إلى مائة ، ثم سمنت فعادت إلى ألف ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يردها زائدة ، ويضمن نقص الزيادة الأولى ، كما لو كانا من جنسين ، فإن ملك الإنسان لا ينجبر بملكه ; لأن الزيادة الثانية غير الأولى .

                                                                                                                                            فعلى هذا إن هزلت مرة ثانية ، فعادت إلى مائة ، ضمن النقصين بألف وثمانمائة . والوجه الثاني ، أنه إذا ردها سمينة ، فلا شيء عليه ; لأنه عاد ما ذهب ، فأشبه [ ص: 151 ] ما لو مرضت فنقصت ، ثم عوفيت ، أو نسيت صناعة ثم تعلمتها ، أو أبق العبد ثم عاد . وفارق ما إذا زادت من جهة أخرى ; فإنه لم يعد ما ذهب .

                                                                                                                                            وهذا الوجه ، أقيس ; لما ذكرنا من شواهده . فعلى هذا لو سمنت بعد الهزال ، ولم تبلغ قيمتها إلى ما بلغت في السمن الأول ، أو زادت عليه ، ضمن أكثر الزيادتين ، وتدخل الأخرى فيها . وعلى الوجه الأول يضمنهما جميعا . فأما إن زادت بالتعليم أو الصناعة ، ثم نسيت ، ثم تعلمت ما نسيته ، فعادت القيمة الأولى ، لم يضمن النقص الأول ; لأن العلم الثاني هو الأول ، فقد عاد ما ذهب .

                                                                                                                                            وإن تعلمت علما آخر ، أو صناعة أخرى ، فهو كعود السمن ، فيه وجهان . ذكر هذا القاضي ، وهو مذهب الشافعي . وقال أبو الخطاب : متى زادت ، ثم نقصت ، ثم زادت مثل الزيادة الأولى ، ففي ذلك وجهان ، سواء كانا من جنس كالسمن مرتين ، أو من جنسين كالسمن والتعليم . والأول أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية