الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 277 ] فصل فيما إذا كان مال التجارة تجب الزكاة في عينه

                                                                                                                                                                        فإن كان عبيد تجارة وجبت فطرتهم مع زكاة التجارة . ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة ، لم تجمع فيه زكاة التجارة والعين . وفيما تقدم منهما قولان ، أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم : تقدم زكاة العين ، والثاني : زكاة التجارة . فإن قلنا بالأظهر أخرج السن الواجبة من السائمة ، وتضم السخال إلى الأمات . وإن قدمنا زكاة التجارة ، قال في التهذيب : تقوم مع درها ، ونسلها ، وصوفها ، وما اتخذ من لبنها ، وهذا تفريع على أن النتاج مال تجارة ، وقد سبق فيه الخلاف ، ولا عبرة بنقصان النصاب في أثناء الحول ، تفريعا على الأصح في وقت اعتبار نصاب التجارة . ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا ، فعلى القول الثاني : لا ينقطع الحول ، وعلى الأول : ينقطع ، ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض . ثم القولان فيما إذا كمل نصاب الزكاتين واتفق الحولان . وأما إذا لم يكمل نصاب أحدهما ، بأن كان أربعين من الغنم ، لا تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول ، أو كان تسعا وثلاثين فما دونها ، وقيمتها نصاب ، فالمذهب : وجوب زكاة ما بلغ به نصاباه . هكذا قطع به العراقيون ، والقفال ، والجمهور . وقيل : في وجوبها وجهان . وإذا غلبنا زكاة العين في نصاب السائمة ، فنقصت في خلال السنة عن النصاب ، ونقلناها إلى زكاة التجارة ، فهل يبني حول التجارة على حول العين ، أم يستأنفه ؟ وجهان ، كالوجهين فيمن ملك نصاب سائمة لا للتجارة فاشترى به عرضا للتجارة ، هل يبنى حول التجارة على حول السائمة ؟ وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن النصاب ، ثم [ ص: 278 ] بلغت في أثناء الحول نصابا بالنتاج ، ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول ، فوجهان ، أحدهما : لا زكاة ؛ لأن الحول انعقد للتجارة ، فلا يتغير ، والثاني : ينتقل إلى زكاة العين ، فعلى هذا ، هل يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج ، أم من وقت نقص القيمة عن النصاب ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : لا زكاة ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        أما إذا كمل نصاب الزكاتين واختلف الحولان ، بأن اشترى بمتاع التجارة بعد ستة أشهر نصاب سائمة ، أو اشترى به معلوفة للتجارة ، ثم أسامها بعد ستة أشهر - فطريقان ، أصحهما أنه على القولين في تقديم زكاة العين أو التجارة ، والثاني أن القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان ، بأن يشتري بعروض القنية نصاب سائمة للتجارة . فعلى هذا ، فيه طريقان . أصحهما وبه قطع المعظم أن المتقدم يمنع المتأخر قولا واحدا ، فعليه زكاة التجارة في الصورة المذكورة . والطريق الثاني : على وجهين ، أحدهما : هذا ، والثاني أن المتقدم يرفع حكم المتأخر ويتجرد . وإذا طردنا القولين فيما إذا تقدم حول التجارة ، فإن غلبنا زكاة التجارة ، فذاك ، وإن غلبنا العين فوجهان ، أحدهما : تجب عند تمام حولها ، وما سبق من حول التجارة يبطل . وأصحهما : تجب زكاة التجارة عند تمام حولها ؛ لئلا يبطل بعض حولها ، ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض حولها ، وتجب زكاة العين في سائر الأحوال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو اشترى نخيلا للتجارة فأثمرت ، أو أرضا مزروعة فأدرك الزرع ، وبلغ الحاصل نصابا - عاد القولان في أن الواجب زكاة العين أم التجارة ؟ فإن لم يكمل أحد النصابين ، أو كملا ولم يتفق الحولان ، استمر التفصيل الذي سبق . [ ص: 279 ] ثم هذا الذي ذكرناه فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند المشتري ، وبدا الصلاح في ملكه . أما إذا أطلعت بعد الشراء ، فهذه ثمرة حدثت من شجر التجارة ، وفي ضمها إلى مال التجارة وجهان تقدما ، فإن ضممناها ، فهي كالحاصلة عند الشراء ، وتنزل منزلة زيادة متصلة ، أو أرباح متجددة في قيمة العرض ، ولا تنزل منزلة ربح بنض ، ليكون حولها على الخلاف السابق فيه . فإن قلنا : ليست مال تجارة ، فمقتضاه وجوب زكاة العين فيها بلا خلاف ، وتخصيص زكاة التجارة بالأرض والأشجار .

                                                                                                                                                                        التفريع : إن غلبنا زكاة العين أخرج العشر أو نصفه من الثمار والزرع ، وهل تسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخل ، وتبن الزرع ؟ وجهان ، أصحهما : لا يسقط . وفي أرض النخل والزرع طريقان ، أحدهما : على الوجهين في الجذع والتبن ، والثاني : القطع بالوجوب لبعد الأرض عن التبعة . قال إمام الحرمين : وينبغي أن يعتبر ذلك بما يدخل في الأرض المتخللة بين النخيل في المساقاة ، وما لا يدخل . فما لا يدخل تجب فيه زكاة التجارة قطعا ، وما يدخل فهو على الخلاف . وإذا أوجبنا زكاة التجارة في هذه الأشياء ، فلم تبلغ قيمتها نصابا ، فهل يضم قيمة الثمرة والحب إليها ليكمل النصاب ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : لا ضم ، وما ذكره الإمام جزم به الماوردي ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وعلى هذا القول لا يسقط اعتبار التجارة في المستقبل ، بل تجب زكاة التجارة في الأحوال المستقبلة . ويكون ابتداء حول التجارة من وقت إخراج العشر ، لا من بدو الصلاح ؛ لأن عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين ، فلا يجوز أن يكون زمان التربية محسوبا عليه . فأما إذا غلبنا زكاة التجارة ، فتقوم الثمرة والجذع ، وفي الزرع الحب والتبن . وتقوم الأرض أيضا فيهما ، وسواء اشتراها مزروعة للتجارة أو اشترى بذرا وأرضا للتجارة وزرعها به في جميع [ ص: 280 ] ما ذكرنا . ولو اشترى الثمار وحدها وبدا الصلاح في يده ، جرى القولان في أنه يخرج العشر أم زكاة التجارة ؟ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر للقنية ، وجب العشر في الزرع وزكاة التجارة في الأرض بلا خلاف فيهما .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية