الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4414 باب فضائل عثمان بن عفان ، رضي الله عنه

                                                                                                                              ولفظ النووي : (باب : من فضائل عثمان الخ) .

                                                                                                                              و "عفان" هو ابن أبي العاص ، بن أمية ، بن عبد شمس ، بن عبد مناف.

                                                                                                                              وأمه : "أروى" بنت كرز بن ربيعة ، بن حبيب ، بن عبد شمس المذكور . أسلمت بعد ابنها .

                                                                                                                              وله كنيتان مشهورتان ؛ أشهرهما : "أبو عمرو" بفتح العين .

                                                                                                                              والثاني : "أبو عبد الله" .

                                                                                                                              ولقبه : "ذو النورين" . وقيل له ذلك : لأنه لم يعلم أحد تزوج ابنتي نبي غيره .

                                                                                                                              وقيل : لأنه كان يختم القرآن في الوتر ؛ فالقرآن نور ، وقيام الليل نور .

                                                                                                                              [ ص: 313 ] وقيل : لأنه إذا دخل الجنة : برقت له برقتين . فلذا قيل له : "ذو النورين" . والأول أظهر .

                                                                                                                              وهو قرشي ، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في "عبد مناف" .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 168، 169 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء وسليمان ابني يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي: كاشفا عن فخذيه أو -ساقيه فاستأذن-: أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث. ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث.

                                                                                                                              ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه،- قال محمد: ولا أقول ذلك: في يوم واحد -فدخل، فتحدث. فلما خرج، قالت عائشة : دخل أبو بكر، فلم تهتش له، ولم تباله. ثم دخل عمر، فلم تهتش له، ولم تباله. ثم دخل عثمان، فجلست، وسويت ثيابك! فقال: "ألا أستحي من رجل، تستحي منه الملائكة
                                                                                                                              ") .

                                                                                                                              [ ص: 314 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 314 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة ) رضي الله عنها ؛ (قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مضطجعا في بيته: كاشفا عن فخذيه ، - أو ساقيه - فاستأذن أبو بكر ، رضي الله عنه؛ فأذن له ، وهو على تلك الحال ؛ فتحدث . ثم استأذن عمر ، رضي الله عنه ؛ فأذن له ، وهو كذلك ؛ فتحدث . ثم استأذن عثمان ، رضي الله عنه ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسوى ثيابه) استحياء منه ؛ لأن عثمان : كان مشهورا بكثرة الحياء ، فاستعمل صلى الله عليه وآله وسلم معه : ما يقتضي الحياء .

                                                                                                                              وفي حديث "أنس" مرفوعا ، مما أخرجه "في المصابيح" من الحسان : "أصدق أمتي حياء : عثمان" .

                                                                                                                              وفي حديث ابن عمر ، عند الملا ، في سيرته ؛ يرفعه : "أحيى أمتي وأكرمها : عثمان" .

                                                                                                                              [ ص: 315 ] (قال محمد: ولا أقول ذلك : في يوم واحد. فدخل ، فتحدث . فلما خرج ، قالت عائشة : دخل أبو بكر ، فلم تهتش له، ولم تباله . ثم دخل عمر ، فلم تهتش له) هكذا هو، في جميع نسخ بلاد النووي : بالتاء ، بعد الهاء : في الموضعين .

                                                                                                                              وفي بعض النسخ الطارئة : بحذفها . وكذا ذكره عياض . وعلى هذا : فالهاء مفتوحة . يقال : "هش يهش" كشم يشم .

                                                                                                                              وأما "الهش" الذي هو خبط الورق من الشجر ، فيقال منه : "هش يهش" بضمها . قال تعالى : وأهش بها .

                                                                                                                              قال أهل اللغة : الهشاشة ، والبشاشة ؛ بمعنى : طلاقة الوجه ، وحسن اللقاء .

                                                                                                                              (ولم تباله) أي : لم تكترث به ، وتحتفل لدخوله .

                                                                                                                              (ثم دخل عثمان ، فجلست ، وسويت ثيابك ! فقال : "ألا أستحي من رجل ، تستحي منه الملائكة ؟!") . أي : ملائكة الرحمن ، عز وجل . هكذا هو في الرواية : "أستحي" بياء واحدة ، في كل واحدة منهما.

                                                                                                                              قال أهل اللغة : "يقال : أستحيي يستحيي" بياءين. "وأستحي يستحي" بواحدة. لغتان، الأولى : أفصح ، وأشهر ، وبها جاء [ ص: 316 ] القرآن. قاله النووي .

                                                                                                                              وفي الحديث : فضيلة ظاهرة ، لعثمان "رضي الله تعالى عنه" ، وجلالته عند الملائكة ، وأن الحياء : صفة جميلة ، من صفات الملائكة .

                                                                                                                              وفيه : جواز تدلل العالم والفاضل ، بحضرة من يدل عليه ؛ من فضلاء أصحابه . واستحباب ترك ذلك : إذا حضر غريب ، أو صاحب يستحيى منه .

                                                                                                                              وهذا الحديث : مما يحتج به المالكية ، وغيرهم ؛ ممن يقول : "ليست الفخذ عورة" . قال النووي : ولا حجة فيه ، لأنه مشكوك في المكشوف ، هل هو الساقان ، أم الفخذان؟ فلا يلزم منه : الجزم بجواز كشف الفخذ. انتهى . قلت : هذا الذي قاله النووي ، هو الصواب المختار . فقد ورد ما يدل على أن الفخذ عورة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية