الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=2816_2817_2820_2819_2821_2822_2823_2824ولا يؤخذ في الفرض الربى ، وهو التي ولدت ومعها ولدها ، ولا الماخض وهي الحامل ، ولا ما طرقها الفحل ; ; لأن البهيمة لا يكاد يطرقها الفحل إلا وهي تحبل ، ولا الأكولة ، وهي السمينة التي أعدت للأكل ، ولا فحل الغنم الذي أعد للضراب ولا حزرات المال وهي خيارها التي تحرزها العين لحسنها ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما { nindex.php?page=hadith&LINKID=12887أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا إلى اليمن فقال له : إياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم } . وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه قال لعامله سفيان " قل لقومك : إنا ندع لكم الربى والماخض وذات اللحم وفحل الغنم ونأخذ الجذع والثني ، وذلك وسط بيننا وبينكم في المال " ولأن الزكاة تجب على وجه الرفق ، فلو أخذنا خيار المال خرجنا عن حد الرفق ، فإن رضي رب المال بإخراج ذلك [ ص: 399 ] قبل منه ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب رضي الله عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=16315بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، فمررت برجل فلما جمع لي ماله فلم أجد فيه إلا بنت مخاض فقلت له : أد بنت مخاض فإنها صدقتك فقال : ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، وما كنت لأقرض الله تعالى من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها . قلت له : ما أنا بآخذ ما لم أومر به . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب ، فإن أحببت أن تعرض عليه ما عرضت علي فافعل ، فإن قبله منك قبلته ، فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي : صلى الله عليه وسلم ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك ، فقال : فهاهي ذي فخذها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة } ; ولأن المنع من أخذ الخيار لحق رب المال فإذا رضي قبل منه ) : .
( الشرح ) : حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
والأثر عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه صحيح ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ بمعناه عن سفيان بن عبد الله الثقفي الصحابي أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدقا ، وكان يعد عليهم السخل فقالوا : تعد علينا السخل ولا تأخذ منها شيئا ، فلما قدم على عمر رضي الله عنه ذكر ذلك له فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه " نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ، ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم ، ونأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره " وهذا عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه صحيح ، وقوله : غذاء المال بغين معجمة مكسورة وبالمد وهي جمع غذي بتشديد الياء وهو الرديء .
وأما الربى فبضم الراء وتشديد الباء مقصورة ، وجمعها رباب بضم الراء والمصدر رباب بكسرها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : قال الأموي : الربى من ولادتها إلى شهرين ، قال أبو زيد الأنصاري : الربى من المعز وقال غيره : من المعز والضأن وربما جاءت في الإبل ، والأكولة بفتح الهمزة ، وحزرات بتقديم الزاي على الراء وحكي عكسه ، والأول أصح وأشهر . أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب رضي الله عنه ( فرواه ) : nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وأبو داود بإسناد صحيح أو حسن ، وزاد ابن أحمد في مسند أبيه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : قال الراوي عن nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، وهو عمارة بن عمرو بن حزم : وقد وليت الصدقات في زمن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، فأخذت من ذلك الرجل ثلاثين حقة لألف وخمسمائة [ ص: 400 ] بعير ، وقوله : ناقة فتية هي بالفاء المفتوحة ، ثم مثناه من فوق ، ثم من تحت وهي الناقة الشابة القوية ( وقوله ) : تعرض عليه بفتح التاء وكسر الراء .
( أما حكم الفصل ) : فهو كما قاله المصنف فلا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=2816_2822_2819_2821_2823_2824أخذ الربى ولا الأكولة ، ولا الحامل ، ولا التي طرقها الفحل ، ولا حزرات المال ، ولا فحل الماشية حيث يجوز أخذ الذكر ، ولا غير ذلك من النفائس إلا أن يرضى المالك بذلك فيجوز ويكون أفضل له ولا فرق بين الربى وغيرها ، هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور ، وقال إمام الحرمين وذكر العراقيون أنه لو تبرع بالربى قبلت منه ، وإن كانت قريبة عهد بالولادة جريا على القياس ، قال : وحكوا وجها بعيدا لبعض الأصحاب أنها لا تقبل منه ; لأنها تكون مهزولة لقرب ولادتها والهزال عيب قال الإمام : وهذا ساقط ، فقد لا تكون كذلك ، وقد تكون غير الربى مهزولة والهزال الذي هو عيب هو الهزال الظاهر البين ، وهذا الوجه الذي حكاه قد حكاه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وغيره من العراقيين ، واتفقوا على تغليط قائله . قال الإمام : ولو بذل الحامل قبلت منه عند الأئمة كالكريمة في نوعها أو صفتها قال : ونقل الأئمة عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود أنه منع قبولها . قال : ; لأن الحمل عيب ، قال الإمام : وهذا ساقط ; لأنه ليس عيبا في البهائم وإنما هو عيب في الآدميات ، قال الإمام : قال صاحب التقريب : لا يتعمد الساعي أخذ كريمة ماله ، فلو تبرع المالك بإخراجها قبلت وأجزأت على المذهب قال : ومن أئمتنا من قال : لا تقبل ، للنهي عن أخذ الكرائم . قال الإمام : وهذا مزيف لا أصل له ; لأن المراد بالنهي نهي السعاة عن الإجحاف بأصحاب الأموال وحثهم على الإنصاف ، ولا يفهم منه الفقيه غير هذا قال الإمام : ولو كانت الماشية كلها حوامل قال صاحب التقريب : لا يطلب منه حاملا ، وهذه الصفة معفو عنها ، كما يعفى عن الوقص ، قال الإمام وهذا الذي ذكره صاحب التقريب حسن لطيف وفيه نظر دقيق ، وهو أن الحامل قد تحمل حيوانين الأم والجنين ، وإنما في الأربعين شاة فلا وجه لتكليفه حاملا ، وقد يرد على هذا إيجاب الخلفات في الدية ، ولكن الدية اتباعية لا مجال للنظر في مقدارها وصفتها [ ص: 401 ] ومن يتحملها ، فلا وجه لمخالفة صاحب التقريب قال : أما لو كانت ماشيته سمينة للمرعى فيطالبه بسمينة ، ويجعل ذلك كشرف النوع .
( فرع ) : قد ذكرنا أنه لو nindex.php?page=treesubj&link=2819_4022_22979تبرع المالك بالحامل قبلت منه ، ونقله العبدري عن العلماء كافة غير nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ، وحكى أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري أنه قال : لا تجزئ الحامل ; لأن الحمل عيب في الحيوان ، بدليل أنه لو اشترى جارية ، فوجدها حاملا فله ردها بسبب الحمل ، وقال : الحامل لا تجزئ في الأضحية ، وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وسائر الأصحاب : بأن الحمل نقص في الآدميات لما يخاف عليهن من الولادة بخلاف البهائم ، ثم قال : الحمل فضيلة فيها ، قالوا : ولهذا قلنا : لو اشترى جارية فوجدها حاملا ، فله ردها بذلك ، ولو اشترى بهيمة فوجدها حاملا لم يكن له ردها به ، ولم يكن الحمل عيبا فيها ، بل هو فضيلة ، ولهذا أوجب صاحب الشرع في الدية المغلظة أربعين خلفة في بطونها أولادها ، وأجاب الأصحاب عن الأضحية فقالوا : إنما لا تجزئ الحامل في الأضحية ; لأن المقصود من الأضحية اللحم والحمل يهزلها ويقل بسببه لحمها فلا تجزئ ، والمقصود في الزكاة كثرة القيمة والدر والنسل ، وذلك في الحامل ، فكانت أولى بالجواز ، والله تعالى أعلم .