الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=2825_2761_3990ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة ; لأن الحق لله تعالى ، وقد علقه على ما نص عليه ، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره ، كالأضحية لما علقها على الأنعام لم يجز نقلها إلى غيرها ، فإن أخرج عن المنصوص عليه سنا أعلى منه مثل أن يخرج عن بنت مخاض بنت لبون أجزأه ; لأنها تجزئ عن ست وثلاثين ، فلأن تجزئ عن خمس وعشرين أولى ، كالبدنة لما أجزأت عن سبعة في الأضحية ، فلأن تجزئ عن واحد أولى ، وكذلك لو وجبت عليه مسنة فأخرج تبيعين أجزأه ; لأنه إذا أجزأه ذلك عن ستين فلأن يجزئ عن أربعين أولى ) .
( الشرح ) : اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أنه لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=2825إخراج القيمة في الزكاة ، وبه قطع المصنف وجماهير الأصحاب ، فيه وجه أن القيمة تجزئ حكاه وهو شاذ باطل ، ودليل المذهب ما ذكره المصنف ( وأما ) : [ ص: 402 ] إذا nindex.php?page=treesubj&link=2761أخرج سنا أعلى من الواجب كبنت لبون عن بنت مخاض ونظائره فتجزئه بلا خلاف ، لحديث أبي السابق ولما ذكره المصنف ( وأما ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=2761أخرج تبيعين عن المسنة فقد قطع المصنف بجوازه ، وهو المذهب ، وبه قطع الجماهير وفيه وجه سبق في باب زكاة البقر ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالكا جوز الدراهم عن الدنانير وعكسه وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يجوز ، فإن لزمه شاة فأخرج عنها دراهم بقيمتها أو أخرج عنها ما له قيمة عنده كالكلب والثياب جاز . وحاصل مذهبه أن كل ما جازت الصدقة به جاز إخراجه في الزكاة ، سواء كان من الجنس الذي وجبت فيه الزكاة أم من غيره إلا في مسألتين ( إحداهما ) : تجب عليه الزكاة فيخرج بقيمتها منفعة عين بأن يسلم إلى الفقراء دارا يسكنونها بقيمة الزكاة .
( والثانية ) : أن يخرج نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط لزمه فإنه لا يجزئه ووافق على أنه لا تجزئ القيمة في الأضحية ، وكذا لو لزمه عتق رقبة في كفارة لا تجزئ قيمتها وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : إذا أدى عن خمسة جياد خمسة دونها في الجودة أجزأه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : يؤدي فضل ما بينهما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : عليه أن يتصدق بغيرها ولا يجزئه الأول ، كذا حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : يجزئ إخراج العروض عن الزكاة إذا كانت بقيمتها ، وهو الظاهر من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، وهو وجه لنا كما سبق . واحتج المجوزون للقيمة بأن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا رضي الله عنه قال لأهل اليمن حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ زكاتهم وغيرها : " ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة " ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة جزم ، وبالحديث الصحيح " { في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون } قالوا : وهذا نص على دفع القيمة قالوا : ولأنه مال زكوي ، فجازت قيمته كعروض التجارة ; ولأن القيمة مال ، فأشبهت المنصوص عليه [ ص: 403 ] ; ولأنه لما جاز العدول عن العين إلى الجنس بالإجماع بأن يخرج زكاة غنمه عن غنم غيرها جاز العدول من جنس إلى جنس . واستدل أصحابنا بأن الشرع نص على بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة وتبيع ومسنة وشاة وشياه وغير ذلك من الواجبات فلا يجوز العدول ، كما لا يجوز في الأضحية ولا في المنفعة ولا في الكفارة وغيرها من الأصول التي وافقوا عليها ولا في حقوق الآدميين . واستدل صاحب الحاوي بقوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=24130في صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير } إلى آخره ، ولم يذكر القيمة ولو جازت لبينها فقد تدعو الحاجة إليها ; ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : {في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون } ولو جازت القيمة لبينها ; ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25270فيمن وجب عليه جذعة فإن لم تكن عنده دفع حقة وشاتين أو عشرين درهما } وكذا غيرها من الجبران على ما سبق بيانه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في أول باب زكاة الإبل فقدر البدل بعشرين درهما ولو كانت القيمة مجزئة لم يقدره بل أوجب التفاوت بحسب القيمة . وقال إمام الحرمين في الأساليب : المعتمد في الدليل لأصحابنا أن الزكاة قربة لله تعالى وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى ولو قال إنسان لوكيله : اشتر ثوبا وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ولو وجد سلعة هي أنفع لموكله لم يكن له مخالفته وإن رآه أنفع ، فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالاتباع ( فإن قالوا ) : هذا يناقض قولكم في زكاة الصبي إن مقصودها سد الخلة ، وهذا يقتضي أن المقصود سد الحاجة فلا تتبع الأعيان المنصوص عليها ( قلنا ) : لا ننكر أن المقصود الظاهر سد الحاجة ولكن الزكاة مع ذلك قربة فإذا كان المرء يخرج الزكاة بنفسه تعينت عليه النية ، فلا يعتد بما أخرجه لتمكنه من الجمع بين الفرضين ، ولو امتنع من أداء الزكاة والنية والاستنابة أخذها السلطان عملا بالفرض الأكبر ، ولهذا إذا أخرج باختياره لم يعتد به كما لو أخرج الزكاة بلا نية .
ولو امتنع من أدائها ولم يجد الإمام له شيئا من جنسها أخذ ما يجد ، ثم [ ص: 404 ] إذا اضطر إلى صرف ما أخذه إلى المساكين أجزأه ذلك وإن لم يكن من جنس الزكاة فقد خرجت المسألتان على طريقة واحدة ، والعبادة تقتضي النية والاتباع ومبنى الزكاة على سد الخلة ، فالاختيار يوجب النية والاتباع لما نص عليه جنسا وقدرا ، فإن عسرت النية أو تعذر إخراج المنصوص عليه غلب مقصود الزكاة ، وهو سد الخلة ، فهذا مختصر من أطراف أدلة المسألة ( والجواب ) : عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ أن المراد به أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم " أمره أن يأخذ في الزكاة عن الحب حبا وعقبه بالجزية " فقال : " خذ من كل حالم دينارا أو عدله مغافر " ( فإن قيل ) : ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ آخذه منكم مكان الذرة والشعير ، وذلك غير واجب في الجزية . قال صاحب الحاوي : ( الجواب ) : أنه يحتمل أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا عقد معهم الجزية على أخذ شيء من زروعهم . قال أصحابنا : مما يدل على أنه في الجزية لا في الزكاة أن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ أنه لا ينقل وقد اشتهر عنه أنه قال : " أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى مخلاف آخر فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته " فدل على أنه في الجزية التي يجوز نقلها بالاتفاق ، والجواب عن ابن اللبون أنه منصوص عليه لا للقيمة ، ولهذا لو كانت قيمته أقل من بنت مخاض أخذناه ; ولأنه أيضا إنما يؤخذ عند عدم بنت المخاض ، ولو كان قيمة على ما تقولون لجاز دفعه مع وجودها . والجواب عن القياس على عرض التجارة أن الزكاة تجب في قيمته والمخرج ليس بدلا عن الواجب بل هو الواجب ، كما أن الشاة المخرجة عن خمس من الإبل هي واجبها ، لا أنها قيمة .
وأما قياسهم على المنصوص عليه فأبطله أصحابنا بإخراج نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط وشاة عن شاتين بقيمتهما ، ثم المعتمد في الأصل أنه منصوص عليه ، فلهذا جاز إخراجه بخلاف القيمة .
وأما قولهم " لما جاز العدول إلى آخره " فهذا قياس فلا يلزمنا ، مع أن الواجب إنما هو إخراج الزكاة من جنس ماله لا من عينه ، فلم يكن ذلك عدولا عن الواجب إلى القيمة ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) : قد ذكرنا أنه لا يجوز عندنا إخراج القيمة في الزكاة . قال أصحابنا : هذا إذا لم تكن ضرورة ، ونقل الرافعي في مسألة اجتماع الحقاق [ ص: 405 ] وبنات اللبون في مائتين عن الأصحاب أنهم قالوا : يعدل في الزكاة إلى غير الجنس الواجب للضرورة كمن nindex.php?page=treesubj&link=25499_2825وجب عليه شاة في خمس من الإبل ، ففقد الشاة ولم يمكنه تحصيلها فإنه يخرج قيمتها دراهم ويجزئه ، كمن لزمه بنت مخاض ، فلم يجدها ، ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن ، فإنه يعدل إلى القيمة ، وسبق هناك أنه إذا وجب أخذ الأغبط وأخذ الساعي غيره وأوجبنا التفاوت يجوز إخراجه دراهم إن لم يمكن تحصيل شقص به ، وكذا إن أمكن على الأصح ، وذكرنا هناك نظائره . وذكر إمام الحرمين في باب النية في الزكاة هذين الوجهين في التفاوت عند إمكان الشقص ، ثم قال : فليخرج من هذا الخلاف أنه متى أدى الحساب في زكاة الماشية إلى تشقيص في مسائل الخلطة ، ففي جواز القيمة عن الشقص هذان الوجهان . قال : ولو nindex.php?page=treesubj&link=3078_2825لزمه شاة عن أربعين ، ثم تلف المال كله بعد إمكان الأداء ، وعسر تحصيل شاة ومست حاجة المساكين ، فالظاهر عندي أنه يخرج القيمة للضرورة ولا سبيل إلى تأخير حق المساكين ، ثم ذكر الإمام أن من توجهت عليه زكاة ، وامتنع يأخذ الإمام أي شيء وجده ، إذا لم يجد المنصوص ، كما يأخذ الزكاة من مال الممتنع ، وإن لم ينو من عليه الزكاة ، فإن كان من عليه الزكاة قادرا على المنصوص عليه ، ففي إجزائه تردد ، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في الممتنع من النية ، إذا أخذها الإمام ، فهذا كلام الإمام في النهاية ، وقد سبق في الفرع الذي قبل هذا عن كلامه في الأساليب نحو هذا . ومن مواضع الضرورة التي تجزئ فيها القيمة ما إذا ألزمهم السلطان بالقيمة ، وأخذها منهم فإنها تجزئهم ، وقد ذكر المصنف المسألة في آخر باب الخلطة فيما إذا أخذ الساعي من أحد الخليطين قيمة الفرض ، فقال ( الصحيح ) : أنه يرجع على خليطه ; لأنه أخذه باجتهاده ، فأشبه إذا أخذ الكبيرة عن السخال ، هكذا قطع جماهير الأصحاب في هذا الموضع بإجزاء القيمة التي أخذها الساعي نقله أصحابنا العراقيون كالشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبي الطيب في المجرد ، والمحاملي في كتابيه وصاحب الحاوي وغيرهم في باب الخلطة عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في الأم قالوا : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم أنه تجزئه [ ص: 406 ] القيمة ، وأنه يرجع على خليطه بحصته من القيمة ; لأن ذلك حكم من الساعي فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فوجب إمضاؤه قالوا : هذا هو الصحيح ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، قالوا وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي لا تجزئه القيمة التي يأخذها الساعي ، ولا يرجع بها على خليطه ; لأنه غير الواجب وهذا الوجه غلط ظاهر مخالف لنص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وللأصحاب رحمهم الله تعالى وللدليل والله تعالى أعلم .