الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه .

كانوا إذا أنذروا بالبعث وساعته استهزءوا فسألوا عن وقتها ، وكان ذلك مما يتكرر منهم ، قال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فلما جرى ذكر دليل إحياء الموتى وذكر إلحاد المشركين في دلالته بسؤالهم عنها استهزاء انتقل الكلام إلى حكاية سؤالهم تمهيدا للجواب عن ظاهره . وتقديم المجرور على متعلقه لإفادة الحصر ، أي إلى الله يفوض علم الساعة لا إلي ، فهو قصر قلب . ورد عليهم بطريق الأسلوب الحكيم ، أي الأجدر أن تعلموا أن لا يعلم أحد متى الساعة وأن تؤمنوا بها وتستعدوا لها . ومثله قول النبيء صلى الله عليه وسلم وسأله رجل من المسلمين : متى الساعة ؟ فقال له : ماذا أعددت لها ، أي استعدادك لها أولى بالاعتناء من أن تسأل عن وقتها .

والرد : الإرجاع وهو مستعمل لتفويض علم ذلك إلى الله والتبرؤ من أن يكون للمسئول علم به ، فكأنه جيء بالسؤال إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ، فرده إلى الله . وفي حديث موسى مع الخضر في الصحيح : " فعاتب الله موسى أن لم يرد العلم إليه " ، وقال تعالى : ولو ردوه إلى الرسول الآية .

وعطف جملة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما بعدها ، توجيه لصرف العلم بوقت الساعة إلى الله بذكر نظائر لا يعلمها الناس ، وليس علم الساعة [ ص: 6 ] بأقرب منها فإنها أمور مشاهدة ولا يعلم تفصيل حالها إلا الله ، أي فليس في عدم العلم بوقت الساعة حجة على تكذيب من أنذر بها ، لأنهم قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، أي إن لم تبين لنا وقته فلست بصادق . فهذا وجه ذكر تلك النظائر ، وهي ثلاثة أشياء :

أولها : علم ما تخرجه أكمام النخيل من الثمر بقدره ، وجودته ، وثباته أو سقوطه ، وضمير ( أكمامها ) راجع إلى الثمرات . والأكمام : جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم وهو وعاء الثمر وهو الجف الذي يخرج من النخلة محتويا على طلع الثمر .

ثانيها : حمل الأنثى من الناس والحيوان ، ولا يعلم التي تلقح من التي لا تلقح إلا الله .

ثالثها : وقت وضع الأجنة ؛ فإن الإناث تكون حوامل مثقلة ولا يعلم وقت وضعها باليوم والساعة إلا الله .

وعدل عن إعادة حرف ( ما ) مرة أخرى للتفادي من ذكر حرف واحد ثلاث مرات ؛ لأن تساوي هذه المنفيات الثلاثة في علم الله تعالى وفي كون أزمان حصولها سواء بالنسبة للحال وللاستقبال يسد علينا باب ادعاء الجمهور الفرق بين ( ما ) و ( لا ) في تخليص المضارع لزمان الحال مع حرف ( ما ) وتخليصه للاستقبال مع حرف ( لا ) . ويؤيد رد ابن مالك عليهم ؛ فإن الحق في جانب قول ابن مالك :

وحرف ( من ) بعد مدخولي ( ما ) في الموضعين لإفادة عموم النفي ويسمى حرفا زائدا .

والباء في ( بعلمه ) للملابسة . وتقدم نظيره في سورة فاطر .

وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ( ثمرات ) بالجمع . وقرأه الباقون ( ثمرة ) واحدة الثمرات .

التالي السابق


الخدمات العلمية